د. عبداللطيف محمد الصريخ / التصنيف داء خطير!

تصغير
تكبير
عندما يحتدم النقاش وتعلو الأصوات دفاعاً عن وجهات النظر، ويفقد الإنسان الحجة والقدرة على الاقناع بالمنطق والعقل والحقائق الدامغة، يلجأ إلى حيلة لاشعورية تسمى التصنيف، فتجده يقول: ولكن فلان اسلامي، او ليبرالي، او من ذاك التجمع او التكتل، محاولاً الضرب تحت الحزام، هذا على المستوى السياسي، اما على المستويات الأخرى فحدث ولا حرج.
فعلى المستويين المناطقي والمذهبي نجد التصنيفات، اما على المستوى الاجتماعي، فكلنا يعرف التصنيف المشهور، وهناك تصنيف آخر مبني على اللهجة: بدوي وحضري، وآخر منطلقه أصل الانتماء.
ومن التصنيفات الأخيرة والطارئة على مجتمعنا، واعتقد انها غير موجودة في مكان آخر في العالم، لأنها من ابداعات الكويتيين: أندية التكتل، وأندية المعايير! والتي ادخلت مستقبل الرياضة الكويتية في نفق مظلم لولا عناية الله ثم تدخل حضرة صاحب السمو أمير البلاد أخيراً ولو جلست اعدد التصنيفات فلن انتهي، المشكلة تكمن في ان تلك التصنيفات اصبحت مثل «المساطر» التي نقيس بها من ندرجه تحتها، فكل المندرجين تحت «الحدسيين» و«السلفيين» و«الليبراليين» و«الشعبيين» لهم صفات مشتركة، وهذا غير صحيح، ولو اخطأ احدهم انسحب خطأه على الباقين.

لو أخطأ شخص من تصنيف معين قبل ايام، او اعوام، او عقود، او اجيال، او قرون حتى، فإن لعنة تلك الخطيئة تلاحق من يندرج تحت ذلك التصنيف إلى يوم الدين، وكأنه كتب علينا ان نحمل اوزارنا وأوزار غيرنا! الطامة الكبرى ان من صميم ثقافة التصنيف ان من ينتمي لفئة معينة يتحتم عليه الدفاع عن جميع المنتمين لها ولو كان على خطأ!
الترقيات، المناصب، التقييم السنوي للموظفين، عضوية المجالس الحكومية، عضوية الشركات المساهمة، الانتخابات الفرعية القبلية، عضوية جمعيات النفع العام، تخضع جبراً تحت طائلة تلك التصنيفات و«المساطر»!
«ان الله يأمر بالعدل» شعار يجب ان نرفعه في كل مكان وفي أي حوار، فلا نحاسب شخصاً على أخطاء غيره، ولا نتعامل معه على اساس تصنيفه، ولنكسر جميع «المساطر» التي تهدد أمننا وسلامة مجتمعنا، ولنتعامل مع الإنسان كإنسان دون وضعه في اطار نتنبأ من خلاله طبيعة شخصيته ونمط تفكيره.
دعونا نتعلم مقارعة الحجة بالحجة، والمنطق بالمنطق، ولتكن الكويت وحبها تصنيفنا الوحيد لكل من يحمل الجنسية الكويتية، لتكن «مسطرتنا» التي نستخدمها في الترقيات الوظيفية، وتسكين المناصب الشاغرة، والمهمات الرسمية تعتمد على الكفاءة ولا شيء غير الكفاءة.
إنني أقر بميزة من أسس الكويت وسكنها قبل النفط، وقاتل من أجل بقائها عندما كانت بيئة صحراوية قاحلة طاردة، فهؤلاء لا يستوون مع من جاء بعد ظهور النفط، فحتى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، كانت هناك ميزة خاصة لمن شارك في معركة بدر، وكانوا يسمون بـ «البدريين»، كما كان هناك تمييز بين من أسلم قبل الفتح ومن أسلم بعده قال تعالى في سورة الحديد: «وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير»، فليس من المنطق ولا العقل ان نستخدم الدستور والجنسية لإلغاء تلك الميزة.
أقول هذا الكلام مع التنبيه ان ذلك لا يعني احتقار الآخر، وسلب حقوقه والقفز على مؤهلاته لأننا جميعاً كويتيون ونعيش في وطن جميل يستحق ان تتوحد مساطرنا من أجله مع الإقرار بحقوق الآخرين.
اما تصنيفي انا شخصياً حتى يرتاح من يبحث عنه فأقول «بالفم المليان» انا مسلم الديانة، عربي النزعة، كويتي الجنسية والهوى.
في الأفق:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
لكن عين السخط تبدي المساويا
د. عبداللطيف محمد الصريخ
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي