No Script

أصبوحة

عندما تهترئ الدولة

تصغير
تكبير

عندما تهترئ الدولة تتفكك وتفقد مركزيتها، وتتوزع السيطرة والسلطة على أصحاب النفوذ، ويصبح المجتمع رهين الاستقطابات وهيمنة الهويات الصغرى على حساب المركزية الوطنية، وتصبح أجهزة الدولة أدوات لأصحاب النفوذ، وتصبح المرجعيات طائفية وقبلية وفئوية وعائلية، وتتحول الدولة إلى هيكل مهلهل شكلياً بلا غرف تحكم.
وتتركز الثروة بيد أصحاب النفوذ، وتتوزع على الولاءات وشراء الذمم، فتغيب العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وتستبعد الكفاءات الوطنية النزيهة، وتبرز العناصر الرديئة ويختل التوازن الاجتماعي بين الفئات، وتتسع الهوة الطبقية بين القلة الغنية والأغلبية الفقيرة، وتُسن القوانين لما يصب في مصلحة المتنفّذين.
وأول مظاهر اهتراء الدولة هو فقد الناس لحرياتهم الشخصية والعامة، بحيث تصبح ممارسة الحريات الدستورية جريمة يعاقب عليها القانون، وتصبح الوظيفة العامة والسلطة التشريعية وسائل للكسب السريع وغير المشروع، وتصبح الرشوة نهجاً والفساد ثقافة سائدة على السطح.
وتنهار المنظومة التعليمية ويسود الجهل ويقل الوعي، وتنهار القيم والأخلاق والسلوك، وتنحط الثقافة العامة وينحدر مستوى الفنون والآداب، وتتهمش في ظل تخلف اجتماعي وثقافي، وتتمايز وتتباين الثقافات المختلفة، ويصبح الصراع الحاد ليس بين الحديث والأحدث، بل بين التخلف والحداثة في أدنى درجاتها.
ويصبح القانون مطواعاً ومُقاساً على الحالات والأفراد، ويغدو التطبيق انتقائياً ينطبق على البعض ولا ينطبق على البعض الآخر، مما يجعل حالة الأمان فئوية وليست عامة، ويصبح المجتمع خطراً على بعضه من بعضه، وقد يصبح العنف وسيلة البعض في التسويات، حيث القانون هو قانون الطوائف والفئات.
عندما تهترئ الدولة لا يبقى حجر على حجر، وتحل الكوارث السياسية والاجتماعية، وتصبح الدولة رهينة الأطماع الخارجية والتدخل في شؤون سيادتها، وتفقد هيبتها داخلياً وخارجياً، لا اعتبار ولا ولاء لها، ويلتفت الناس إلى ملاذات أخرى.
عندما تهترئ الدولة تنهب ثروتها وينهار اقتصادها وتموت سريرياً، وتصبح الخزانة بلا حراس، وتغدو الطبيعة من بحار وسهول مكب نفايات، وتُسمّم الأرض بمخلفات البشر، وتفقد براءتها ومحبتها عند البشر، وتنقطع حبال الارتباط بينها وبين الناس، وإن كانوا يعيشون عليها.
لن نزيد ولن نفصل، لكن العاقل والحكيم يتّعظ، فالأرض تحتاج إلى الحب والارتباط العضوي بها، والدولة تحتاج إلى رجال ونساء لا يهابون ولا يتردّدون، كي لا تصل إلى حد الاهتراء، تحتاج أن تكون سيفاً حاداً وصلباً في أيديهم، والناس يحتاجون إلى الأمان والعيش الكريم.

osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي