رؤية ورأي

فكر غير

تصغير
تكبير

يحتضن تكتّل المعارضة عدداً من النوّاب المخضرمين الحاليين والسابقين، إلا أنه لم يرتقِ يوماً إلى مستوى تبني مشروع إستراتيجي للإصلاح، بسبب ارتباطه التكويني بمسؤولين سابقين - سرّاق مال عام - مما جعل مشاريعه وأنشطته تتمحور حول إعادتهم إلى مواقعهم السابقة أو إلى مواقع أرقى، عبر مسارين رئيسين متلازمين: مسار الربيع العربي، ومسار حصد أكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية.
وقد ثبت بالتجربة العملية في المجلس المبطل الأول أن تكتل المعارضة قمعي وطائفي، إلا أنه نجح في تضليل الشارع والمحافظة على المتعاطفين معه من مختلف أطياف المجتمع، وذلك من خلال احتضان عدد من الشخصيات المشهورة بتوجهاتها الليبرالية والوطنية، الذين تم تأطير أدائهم البرلماني ليكون متوافقاً مع أولويات التكتل.
من باب توضيح جزئية التأطير، سأكتفي بعرض موقفين مؤطرين من قبل النائبين السابقين الدكتورين حسن جوهر وعبيد الوسمي تجاه قضية قانون إعدام المسيء. ذلك القانون الذي اقترحه وتبناه تكتّل المعارضة ليطبق بأثر رجعي على مغرّد اُتّهم في مارس 2012 بالإساءة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم. حيث تمكن التكتّل - خلال ساعات من اعتقال المغرّد - تحويل التغريدة الفردية إلى حالة عامة من الاحتقان الطائفي. ثم أثناء جلسة البرلمان في اليوم التالي، طالب النائب محمد هايف وزير الأوقاف بمراقبة الحسينيات أو صعود منصة الاستجواب، فتصدّى له النوّاب الشيعة بحزم، وتوترت أجواء الجلسة بدرجة مقلقة.
الدكتور جوهر - في أول مقال صحافي له بعد الجلسة - اعتبر أن الخلاف في تلك الجلسة تصارع وتبادل تُهم على أمور شكلية، ومحاولة لاختلاق الفتن والمشاكل من العدم. الدكتور عوضاً عن التصدّي الصريح لمطالبة هايف وقانون إعدام المسيء، التزم بنهجه المؤطر «سياسة منتصف العصا» في الأزمات الطائفية، وحمّل ضمناً النوّاب الشيعة جانباً من مسؤولية التصعيد، حيث إنه تساءل - في نفس المقال - عن سبب الهلع والهيجان والانفعال تجاه تصريحات فردية ضد الحسينيات، رغم أنها ليست ذات قيمة حقيقية على أرض الواقع - وفق رأيه.
وبعد أن تبنى التكتل استجواب هايف، وأعلن عن تراجع كل الأولويات أمام تشريع قانون إعدام المسيء، انشغل الدكتور بالكتابة في شؤون أخرى كان من بينها فساد أصحاب النفوذ وتجار المناقصات. المراد أن الدور المؤطر لجوهر يمنعه من التصدّي الإيجابي للمطالبات الطائفية، بل يدفعه أحياناً إلى أدوار مساندة لمشاريع التكتل الطائفية.
وأما الدكتور الوسمي المشهور بالدفاع عن الحريات الفكرية ومعارضة تكميم الأفواه بعقوبات مشددّة في قضايا التعبير عن الرأي، فكان له دور محوري في صياغة وتشريع قانون إعدام المسيء، وعندما ردّت الحكومة القانون هدّد باستجواب رئيسها. هذا الدور المؤطر للوسمي - المتناقض مع مبادئه السياسية - تجاه قانون إعدام المسيء، كان له الأثر البالغ في تسويق المشروع القمعي للتكتل لدى شريحة واسعة من المجتمع.
مساعي تكتّل المعارضة للتأطير لا تقتصر على النوّاب المنتسبين إليه، بل تمتد إلى النوّاب الآخرين بقصد تقييد دورهم في البرلمان وتحجيم أثرهم على الجمهور، ومن بين هؤلاء المستهدفين النائب أحمد الفضل. حيث إنه تعرّض مراراً لمساعي تأطير فاشلة، كانت آخرها بعد كلمته المتميزة كمعارض لطرح الثقة بوزير الداخلية، التي وأد بها الاستجواب باتباعه بصراحة ودهاء القواعد نفسها التي اتبعها النائب المِستجوِب شعيب المويزري. والانتشار الواسع لكلمة الفضل أزعج التكتل، فاستنكر البعض منهجية الفضل وتغافل عن منهجية المويزري رغم أنهما متطابقتان.
رغم تكرار المساعي، لا يزال الفضل عصيّاً على التأطير غير الدستوري، لأنه يمتلك «فكر غير»، ولأنه امتداد للمرحوم والده الذي كان من بين النوّاب السبعة الذين صوّتوا ضد قانون إعدام المسيء... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

يحتضن تكتّل المعارضة عدداً من النوّاب المخضرمين الحاليين والسابقين، إلا أنه لم يرتقِ يوماً إلى مستوى تبني مشروع إستراتيجي للإصلاح، بسبب ارتباطه التكويني بمسؤولين سابقين - سرّاق مال عام - مما جعل مشاريعه وأنشطته تتمحور حول إعادتهم إلى مواقعهم السابقة أو إلى مواقع أرقى، عبر مسارين رئيسين متلازمين: مسار الربيع العربي، ومسار حصد أكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية.
وقد ثبت بالتجربة العملية في المجلس المبطل الأول أن تكتل المعارضة قمعي وطائفي، إلا أنه نجح في تضليل الشارع والمحافظة على المتعاطفين معه من مختلف أطياف المجتمع، وذلك من خلال احتضان عدد من الشخصيات المشهورة بتوجهاتها الليبرالية والوطنية، الذين تم تأطير أدائهم البرلماني ليكون متوافقاً مع أولويات التكتل.
من باب توضيح جزئية التأطير، سأكتفي بعرض موقفين مؤطرين من قبل النائبين السابقين الدكتورين حسن جوهر وعبيد الوسمي تجاه قضية قانون إعدام المسيء. ذلك القانون الذي اقترحه وتبناه تكتّل المعارضة ليطبق بأثر رجعي على مغرّد اُتّهم في مارس 2012 بالإساءة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم. حيث تمكن التكتّل - خلال ساعات من اعتقال المغرّد - تحويل التغريدة الفردية إلى حالة عامة من الاحتقان الطائفي. ثم أثناء جلسة البرلمان في اليوم التالي، طالب النائب محمد هايف وزير الأوقاف بمراقبة الحسينيات أو صعود منصة الاستجواب، فتصدّى له النوّاب الشيعة بحزم، وتوترت أجواء الجلسة بدرجة مقلقة.
الدكتور جوهر - في أول مقال صحافي له بعد الجلسة - اعتبر أن الخلاف في تلك الجلسة تصارع وتبادل تُهم على أمور شكلية، ومحاولة لاختلاق الفتن والمشاكل من العدم. الدكتور عوضاً عن التصدّي الصريح لمطالبة هايف وقانون إعدام المسيء، التزم بنهجه المؤطر «سياسة منتصف العصا» في الأزمات الطائفية، وحمّل ضمناً النوّاب الشيعة جانباً من مسؤولية التصعيد، حيث إنه تساءل - في نفس المقال - عن سبب الهلع والهيجان والانفعال تجاه تصريحات فردية ضد الحسينيات، رغم أنها ليست ذات قيمة حقيقية على أرض الواقع - وفق رأيه.
وبعد أن تبنى التكتل استجواب هايف، وأعلن عن تراجع كل الأولويات أمام تشريع قانون إعدام المسيء، انشغل الدكتور بالكتابة في شؤون أخرى كان من بينها فساد أصحاب النفوذ وتجار المناقصات. المراد أن الدور المؤطر لجوهر يمنعه من التصدّي الإيجابي للمطالبات الطائفية، بل يدفعه أحياناً إلى أدوار مساندة لمشاريع التكتل الطائفية.
وأما الدكتور الوسمي المشهور بالدفاع عن الحريات الفكرية ومعارضة تكميم الأفواه بعقوبات مشددّة في قضايا التعبير عن الرأي، فكان له دور محوري في صياغة وتشريع قانون إعدام المسيء، وعندما ردّت الحكومة القانون هدّد باستجواب رئيسها. هذا الدور المؤطر للوسمي - المتناقض مع مبادئه السياسية - تجاه قانون إعدام المسيء، كان له الأثر البالغ في تسويق المشروع القمعي للتكتل لدى شريحة واسعة من المجتمع.
مساعي تكتّل المعارضة للتأطير لا تقتصر على النوّاب المنتسبين إليه، بل تمتد إلى النوّاب الآخرين بقصد تقييد دورهم في البرلمان وتحجيم أثرهم على الجمهور، ومن بين هؤلاء المستهدفين النائب أحمد الفضل. حيث إنه تعرّض مراراً لمساعي تأطير فاشلة، كانت آخرها بعد كلمته المتميزة كمعارض لطرح الثقة بوزير الداخلية، التي وأد بها الاستجواب باتباعه بصراحة ودهاء القواعد نفسها التي اتبعها النائب المِستجوِب شعيب المويزري. والانتشار الواسع لكلمة الفضل أزعج التكتل، فاستنكر البعض منهجية الفضل وتغافل عن منهجية المويزري رغم أنهما متطابقتان.
رغم تكرار المساعي، لا يزال الفضل عصيّاً على التأطير غير الدستوري، لأنه يمتلك «فكر غير»، ولأنه امتداد للمرحوم والده الذي كان من بين النوّاب السبعة الذين صوّتوا ضد قانون إعدام المسيء... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي