حوار / «الرجل يطبخ للمزاج... والمرأة مُجبرة»
سليمان القصار لـ «الراي»: أضفت للفن الشعبي الكويتي... فبات من التراث
أحييت أخيراً عرساً تم تصويره مع مخرج كأننا كنا متواجدين مع أصحاب الحفل
في الأعراس أغني بحسب رأي من طلبني... وأنظر للجو العام وأعمار الحضور
في جعبة الفنان الشعبي و«الشيف» سليمان القصار الكثير من القصص والحكايا التي لا تنتهي... «طبخها» بمزاج عالٍ على مرّ السنين.
القصار «الصريح»، فتح قلبه لـ«الراي» بحوار عفوي جال فيه هنا وهناك، فأوضح أنه لم يتغير في حياته الكثير منذ بداية جائحة «كورونا» إلى اليوم، باعتباره إنساناً «بيتوتياً»، موضحاً أن الإنسان عندما يصل إلى عمر معين فهو يعمل على التأقلم مع نفسه ومحيطه، مؤكداً اشتياقه إلى إحياء الأعراس ونشر السرور بين الناس، وفي الوقت ذاته أصبح يمتلك الوقت ليراجع نفسه وحساباته كونه يمتلك تاريخاً فنياً طويلاً.القصار لفت إلى أن الفن الشعبي في الكويت كان فقيراً بإيقاع الدزة، فذهب لكل دول الخليج وسمع الأغاني التي تقال عندهم، وأعجبه فن الدزة بالبحرين، فنقله للكويت وسرّع الإيقاع وعمل على تعديل الكلمات. ثم بدأ بالأخذ من أغاني البادية في الكويت «البدّاوي» ويركبها لتصبح دزة، وبالتالي أصبحت من التراث الكويتي.القصار أوضح أن دخول التكنولوجيا لإحياء الأعراس ليس بالجديد، وأنه بعد الغزو العراقي الغاشم الناس «خذتها الحمية» وقالوا «ما نبي الاختلاط بأعراسنا»، فجعلوا الفرقة تحيي العرس من خلف ساتر، مشيراً إلى إحيائه عرساً أخيراً تم تصويره بالكامل وإرساله إلى من طلبه لبثّه في موقعهم.
• ما الذي تغير في حياتك منذ بداية جائحة فيروس «كورونا» إلى اليوم؟
- بالنسبة إليّ لم يتغير شيء، لأنني أساساً «بيتوتي». ففي السابق كنت إما أخرج للشاليه «أجابل الزرع والبهايم اللي أحوفهم أو أقعد عالبحر»، أو للتسوق الأمر الذي أصبح السائق من يقوم بهذه المهمة. لهذا الجلوس في البيت أراه ممتعاً ولم يشعرني «بالحكرة». وقد يكون التغيير فقط بمسألة السفر كل صيف كوني معتاداً على لقاء أصدقائي، إما في لندن التي غيرناها لاحقاً إلى الولايات المتحدة، كما كان المفترض أن يصبح لقاؤنا في البوسنة داخل بيوتنا التي قمنا بشرائها ولم نسكنها بعد بسبب «كورونا».
• هل العمر له دور مهم في التأقلم؟
- عندما يصل الإنسان إلى عمر معين، فهو يعمل على التأقلم مع نفسه ومحيطه. ودائماً أنصح الجميع بألا يرددوا جملة «ضيقة خلق أو ملل»، لأن هناك دائماً أمراً تقوم به وتنجزه سواء كنت وحيداً بالبيت أو برفقة ألف شخص. فالإنسان الفارغ الذي لا يمتلك ما يقوم به يومياً، لا يُعتبر من البشر.
• ألم تشتق إلى إحياء الأعراس؟
- اشتقت طبعاً، فهو عملي الأساسي كفنان شعبي. أحب لقاء الأوادم والجمعات وأنشر الفرح والسرور بينهم، لكن في الوقت ذاته أصبحت أمتلك الوقت لأراجع نفسي وحساباتي كوني أمتلك تاريخاً فنياً طويلاً. ففي عمر السابعة عشرة كوّنت فرقتي الخاصة في العام 1978 وحينها كنا أربعة أشخاص «أنا مع أخوي محمد وعيال جيراننا جاسم وفؤاد». لذا، عندما تسترجع هذه الذكريات كلها كيف بنيت هذا كله طوال 40 عاماً من العمل، يصبح لديك كل يوم يمر في ذهنك فيلم من الأفلام التي مرّت عليك، منها ما أعطاك حافزاً للتقدم إلى الأمام، ومنها ما أحبطك وحاول أن يثنيك عن عملك، وهناك ما يمر عليك من مواقف فيها من الطرفة أو المزحة. لهذا لم أشعر بالعزلة مع وجود تاريخ طويل محفور بذاكرتي «أفكر شسويت وش حطيت وش غنيت وش كتبت من أغاني وش عدلت عليه وش دخلت على الفن الشعبي الجدي وغيره»، وهكذا أملأ وقتي، لدرجة أنني فكرت في كتابة كل هذه الأمور التي مرت عليّ طوال حياتي وجمعها بكتاب.
• هل تغني ما تريده أنت، أم ما يريده أصحاب العرس؟
- دائماً آخذ رأي من طلبني لإحياء العرس سواء أم المعرس أو أم العروس «هي لها الأولوية وما أبخس الباقين حقهم»، بعدها أذهب إلى الجو العام بحيث أرى نسبة الحريم النصوف أو الكبار أو متوسطي العمر أو البنات الصغار، حينها أعرف إلى أين سأتجه في الغناء إلى جانب طلبات من دعوني للعرس.
• هل كنت مخططاً لكل ما وصلت إليه من إنجاز في حياتك؟
- دائماً أتطلع لتقديم الأفضل، فقد كان المفترض أن أسافر إلى الولايات المتحدة الأميركية لإكمال دراستي، لكن ذلك لم يحصل. بعدها عملت في الكويت بمهنة كاتب في مستشفى مبارك، حينها ظهرت هوايتي بالفن الشعبي وحققت اسماً على مستوى الخليج، بعدها ظهرت موهبتي الثانية في الطبخ التي أبدعت فيها وعملت 7 برامج لمصلحة تلفزيون الكويت بواقع 200 حلقة أو أكثر. ثم دخلت عالم «السوشيال ميديا» وأصبحت أمتلك متابعين بمئات الآلاف يتابعون يومياتي، لهذا أنا مؤمن أن كل شيء تعمل به واضعاً جهدك به وتحبه سوف ينتج، والعكس صحيح.
• هل تؤيد فكرة دخول التكنولوجيا لإحياء الأعراس كما حصل في الحفلات الغنائية بلا جمهور؟
- بالنسبة إلى الأعراس هذا ليس بالجديد، إذ بعد الغزو العراقي الغاشم الناس «خذتها الحمية» وقالوا «ما نبي الاختلاط بأعراسنا»، فجعلوا الفرقة تغني وتؤدي كل مراسم الاحتفال «من دخول الحفلة والغناء على أصحاب الفرح ثم دخول العروس بكامل الزي كأنهم خلفها» من خلف ساتر محجوبين عنهم مع وجود كاميرا موجهة عليهم لتظهرهم على شاشة كبيرة موضوعة في صالة العرس. وللعلم، في فترة «كورونا» أحييت عرساً «حفلة حنّة» مسجلاً مرتدياً البشت وبقية أعضاء الفرقة «الدقلة» و«سوينا الدزة» وكل شيء كأننا موجودون معهم «شلت على بنيتهم ووليدهم»، وأصحاب الحفلة الذين كانوا محافظين على التباعد وبحضور محدود جداً حصلوا على التسجيل كاملاً وبثوه في ليلة الاحتفال، وللعلم لقد كلفهم مبلغاً أكبر من السعر العادي لأننا استعنا بمخرج ومصورين ومهندس صوت.
• اسمك مطلوب على مستوى الخليج العربي، لكن ألا يرهقك العمل طول العام من دون توقف أو راحة؟
- بالعكس، أنا في بداية حياتي كنت أحيي عرساً في الكويت وفي الصبح أعبر الحدود لأغني في المملكة العربية السعودية ثم في البحرين ومنها أتوجه بالطائرة إلى جدة «ذاك الوقت صج اللي كان تعب»، لكن كنا صغاراً وأعمارنا بالعشرينات على عكس اليوم الذي وصلنا إلى الستينات، وبغض النظر عن صحتي التي لم تعد تساعد على القيام بمثل ذلك، أصبح لدي أناس معينون أحيي أفراحهم لأترك الفرصة أمام الفرق الشبابية الأخرى المتواجدة بالساحة.
• هل الشباب اليوم يقومون بالمهمة كما يجب؟
- لدينا أسطول جميل من مغني الفن الشعبي، غالبيتهم أعتبرهم عيالي كوني أستعين بهم بحفلاتي الكبرى لدى الملوك والأمراء وكبار القوم، سواء كانت في الكويت أو السعودية أو الإمارات أو أي مكان آخر، أذكر منهم عبدالعزيز العروج وعبدالله الفيلكاوي وطلال الصيدلاني ومحمد مالك وجراح الرجا وأحمد الرويشد «أخاف أكون نسيت أحد»، وكل واحد منهم لديه فرقته الخاصة يؤدي معها أحسن الفن الشعبي «الدخلة الردحة، الزفات للمعرس وللعروس، فن النهاية، اليلوة بكل أنواعها» وغيرها من الفنون التي أخذناها من الأولين من الفرق النسائية الكبيرة مثل فرقتي عودة المهنا وأمينة أم زايد رحمهما الله، فكل ما نقدمه اليوم هو مأخوذ من الفرق النسائية التي كانت محتكرة هذا الفن بالأعراس، لكن الشباب دخلوا هذا المجال وتفوقوا على الفرق النسائية الموجودة.
• ما الذي أضفته للفن الشعبي بالكويت؟
- جئنا للفن الشعبي وكان متكاملاً جاهزاً، لكن في الكويت كان الفن الشعبي فقيراً بإيقاع الدزة «ما عندنا إلا قصيدة أو قصيدتين»، لهذا في فترة الشباب ذهبت لكل دول الخليج وسمعت الأغاني التي تقال عندهم، وأعجبني فن الدزة بالبحرين عندما كانوا يبدعونه على حكامهم آل خليفة، فأخذته للكويت وسرّعت الإيقاع قليلاً وأخذت الكلمات وركبت عليها ما تتناسب معنا بالكويت، بعدها انتهت دزاتهم لهذا بدأت آخذ من أغاني البادية لدينا في الكويت «البدّاوي» التي بها كثير من المديح على الأسرة أو العائلة أو على البنت أو على المعرس وحتى القبيلة نفسها، وأركبها لتصبح دزة، وإن سألتني متى نركّب الدزة؟ سأقول لك بعد دخلة المعرس أو دخلة العروس، وبالتالي أصبحت من التراث الكويتي، إذ أصبح لها أكثر من 30 عاماً.
• في أحد مهرجانات «هلا فبراير» شاركت مع الفنان نبيل شعيل بوصلته الغنائية... لكن ما سبب تجاهل متعهدي الحفلات لإقامة حفل للأغنية الشعبية؟
- هذا يوجه إلى المسؤولين في «الإعلام» لماذا لا تقام حفلات خاصة للفن الشعبي ويوم معين للفرق الشعبية النسائية أو الرجالية أو الفرق الشعبية البحرية وللعرضات وأغاني البادية، وبالنسبة إليّ عندما أطلب سألبي النداء. وللعلم، مشاركتي في «هلا فبراير» كانت باقتراح من عبدالوهاب ابن الفنان نبيل شعيل للدخول في أغنية «هذا اهو الكويتي» مع بشار الشطي، وعندما أبلغني بها «بوشعيل» لم أتردد في الموافقة وبالمجان لأنني أعلم أنها ستبهج أهل الكويت كوننا كنا نحتفل بأعيادنا الوطنية. بالنسبة إليّ، لا تقدر بمال أو ثمن بسمة وفرحة أهل الكويت في هذا العيد وأنا أرى الجميع واقفاً يصفق ويهتف باسم الكويت وآل الصباح.
• تعتبر اليوم أحد مشاهير «السوشيال ميديا» ولديك «فلورز» بالآلاف... فهل خططت لدخول هذا العالم؟
- حصل صدفة خلال تواجدي في أحد الأعراس أن التقيت مع الفنانة الإماراتية أحلام الشامسي التي سألتني إن كنت أمتلك حساباً في «سناب شات»، فأخبرتها بعدم امتلاكي الخبرة فيه، لكنها أصرت على أن أفتتح حساباً شخصياً وهو ما حصل فعلاً، وفي فترة أسبوع واحد تابعني 30 ألف متابع، ومنها بدأت تتزايد الأعداد حتى تعدت المليون.
• هل تعلن عن أي منتج يعرض عليك؟
- هناك مصداقية ما بيني وبين ربي في ما يخص الإعلانات، لذلك لا أعلن عن أي منتج إلا إن كنت مقتنعاً به تماماً وأثق فيه بأنه يصلح للاستعمال أو الأكل. وهناك أمر آخر أود توضيحه، ألا وهو أنني في البدايات بدأت بنشر إعلانات للمشاريع الصغيرة، لكن اتضح لي في ما بعد «مو كل شي إيبونه لي أعلن عنه هو زين»، خصوصاً الأكل الذي يجب أن يكون تحت رقابة وتصريح من البلدية والصحة، لهذا أصبحت لا أعلن أي شيء من باب المسؤولية والأمانة «لكن البعض صار يزعل ويشره عليّ».
• ما النواحي السلبية التي لم تعجبك في عالم «السوشيال ميديا»؟
- «السوشيال ميديا» متعددة الأطراف، هناك ما يتابعها لمعرفة كل ما هو جديد، وهناك من يتابعون «عشان يوسعون صدرهم»، وآخرون استخدموها لمضرة بعضهم البعض والنميمة وهو ما نرفضه ولا نحبه، كونه يعتبر سلاحاً يجب أن يستخدم للفائدة دائماً، إما لإبهاج العالم أو إيصال معلومة مفيدة.
• في أحد اللقاءات التلفزيونية الأخيرة ذكرت أنك تمتلك «دقلة» قيمتها 60 ألف دينار... فهل الفنان يجب أن يبذخ على نفسه ويظهر دوماً بأغلى الملابس؟
- للتوضيح، أولاً «الدقلة» هو لباس جاءنا من الثقافة العثمانية وأصبح لباساً لمن هم من ذوي الجاه والمال، لهذا عندما أذهب لإحياء مناسبة ما يتوجب عليّ حينها ارتداء أجمل وأغلى ما أملك تقديراً لهم وكذلك الأمر عندما أريد لقاء شخص ما. أما في حياتي اليومية ومكاني الخاص، لا أرى ضرورة في البذخ بالمظهر، وعلى الصعيد الشخصي كل متابعيني شاهدوني بكل حالاتي ومظهري كوني أصوّر لهم عندما أجلس من النوم فوراً وعندما أطبخ وعندما يكون شعري مرتباً أو منفوشاً، وأنا مرتدي دشداشة البيت أو دشداشة العرس.
• من الفن إلى الطبخ... لماذا طبخ الرجل يبدو شهياً أكثر من طبخ المرأة؟
- تعلمنا الطبخ من السيدات سواء الأم أو الجدة أو الأخت أو العمة أو الخالة، وقليل من الرجال تعلم من شيف رجل آخر الذي كان قد صقل موهبته أساساً، لكن تبقى أول لقمة دخلت في فمه كانت من يد امرأة، وحتى الحليب سقته إياه أمه، لهذا نقول الفضل للحريم في تعلمنا للطبخ. أما مسألة أن أشهى طبخ هو للرجال، فالسبب بسيط وهو أن الرجل «يسويه مزاج» كونه ليس مجبراً على الطبخ، على عكس المرأة المجبرة على الطبخ لإطعام طفلها وزوجها وبالتالي أصبح روتيناً، ما أفقدها الإبداع والشغف.
• ختاماً، هل حققت ما طمحت له أم ما زال هناك المزيد في جعبتك؟
- الطموح لا ينتهي ولا ينضب، وطالما هناك روح في داخلي وهواء أتنفسه، لن ينتهي طموحي ولا حب الدنيا والحياة حتى لو بقي لدي يوم أو ثانية واحدة ، سوف أستمتع بها وأمتع غيري وأستفيد وأفيد الآخرين.