بوح صريح

في الخلاط

تصغير
تكبير

يقول ديستوفيسكي: هذا المُـجتمع، قاتلٌ للعفويَّة التّلقائية والسلاسة والبسَاطة. وعاشقٌ لِلعقد والنّفاق والتصنّع بامتيَاز.
لا أدري عن أي مجتمع كان يتحدث في مقولته هذه. وكيف استطاع بعبقريته أن يستشرف تأثير التحولات الاجتماعية وكم التمزق الأخلاقي والشروخ والكسور الإنسانية الفادحة، التي ستتسبب بها مواقع التواصل والهوس الشديد بالنت والذوبان فيه وفقدان كل براءة وجمال وصدق يذكرنا بإنسانيتنا.
كنت أحياناً أذهب وابنتي المهندسة هند لمجمع ما للسينما أو غيرها. فنفاجأ برؤية البعض في الكافيهات أو المطاعم.. وكيف يجلسون بكل تزمت وتكلف ويتحركون بتصنع وآلية ظناً منهم أنه برستيج. إنها غفلة الغرور والشخصانية التي حولت هؤلاء إلى آلات مبرمجة خالية من المشاعر والانفعالات والتعبيرات.


أما لو نظرنا إلى الجانب الآخر من المضطربين. فسنجد الخليط التالي لبعض النماذج، منفرداً أو كاملاً... فهو معقد نفسياً. شاهد على ضرب وإهانة أمه وإخواته.
متزمت. عنصرياً لمذهبه وعائلته. نتاج كل إفرازات بيئته السلبية. حاقد على كل ناجح وكاره للمرأة. فاشل وغير مهذب أو خلوق ومفلس مادياً. عاجز عن الاستمرار في وظيفة. لا يتقن أي مهنة أو عمل يدوي. لا يملك موهبة أو هواية أو قدرات.
مبرمج تقليدياً ومغسول دماغه إعلامياً.
لو وضعنا كل هذا بخلاط..
تعتقدون أي إنسان سيظهر لنا! وما مدى اختلافهم عمن نراهم و نواجههم يومياً في حياتنا وعبر المواقع المختلفة.
لكن ونحن نستقبل عيد الأضحى في ظروف أزمة خيمت علينا، واغتالت كل فرح واستقرار وسلام فينا. حتى بات الجميع بكماماتهم كأنهم سكان كواكب أخرى لا تميز بينهم. فالكل متشابه.
أضف إلى ذلك كل معاني الجفاف العاطفي والبرود الاجتماعي التي أجبرنا عليها بسبب اتخاذ احتياطات التباعد. فلا مصافحة أو عناق أو قبلات بين الأهل والأصحاب والأحبة. يلتقي الجميع كالغرباء. والسؤال هو: هل سنتمكن من معاودة الإحساس مجدداً والثقة بالاتصال والتحاور عن قرب. والعطاء والمشاركة مثل قبل.
ألايزال الإحساس نابضاً فيناً. أم سلبتنا تجربة الحظر حرارة المشاعر؟
وبمناسبة كعك العيد، فقد ظلت ماما حتى وفاتها تعمل المعمول والبتي فور والكنافة وحلاوة الجبن بالبيت. وكانت لديها أدوات خشبية لمعمول الفستق والتمر بزخارف مختلفة. تضع العجينة وتضغط ثم تقلبها وتضربها على طرف الطاولة فتسقط بيدها مزينة جاهزة. لكننا لم نتعلم منها شيئاً. فقد كانت تقفل عليها باب المطبخ ونراقبها من خلف الزجاج متشوقين لخروج المعمول الساخن من الفرن.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي