No Script

أصبوحة

البيضة أولاً أم الدجاجة؟

تصغير
تكبير

في هذه الآونة يتم التداول حول جدل الإصلاح المرجو والمرتقب، بعد تداعيات الأزمة الصحية وما كشفته من خلل بنيوي في كيان الدولة، ونخر في مؤسساتها وتعطيل مساراتها التنموية، حيث طفا على السطح الخافي من الخراب والصدأ والصديد.
وتقاطعت الخطوط والآراء وتناقضت، واختلفت في أولويات الإصلاح المطلوب، وهذه الآراء قد تنطلق بحسن النية وبعضها قد يرى مصلحته الخاصة فيها، حتى أصبح الجدل قريباً من «هل البيضة أولاً أم الدجاجة»؟
فيرى البعض أن الأولوية في الإصلاح تبدأ من التعليم، والآخر يرى أن الإصلاح يبدأ بالنظام الانتخابي، وغيره يراه في الإصلاح الإداري، ويركز البعض على الإصلاح السياسي، وآخرون يجدون في إصلاح ثقافة المجتمع أولوية، والبعض يرى أن لا إصلاح قبل اصلاح البنية التحتية أو القضاء على الفساد.
وفي الواقع أن كل هؤلاء محقون في تصوراتهم، وكل ما ذكر يحتاج إلى إصلاح جذري أو عميق، بيد أن أي تطوير أو إصلاح، لا يمكن تحقيقه بإصلاح الجزء مهما كان ضرورياً، فقبلها يتطلب الأمر تشخيص الواقع والانطلاق منه، والبحث عن الأسباب الجوهرية للخلل، والإجابة عن السؤال: لماذا حدث هذا الخلل أو كيف بدأ، ولماذا كنا في بدايات الاستقلال في حالة نهضة، وبعد مرور أكثر من خمسين عاماً صرنا في حالة انهيار، أليس العكس هو المفترض؟
في بدايات الاستقلال أي خلال عقدي الستينيات والسبعينيات، كانت الدولة تتبنى مشروعاً لبناء دولة مدنية حديثة، وكانت هناك مركزية للدولة ووضوح للهوية الوطنية، ولذلك انعكس هذا الوضع إلى نهضة شاملة في كل المجالات، تعليم وصحة وصحافة حرة وثقافة ورياضة وبنية تحتية حديثة، وإدارة بيد رجالات دولة، ومجلس أمة يقاد من خلال قوى وطنية حية، ومؤسسات مجتمع مدني فاعلة ويعتمد على مشاركتها في بناء الوطن.
بعد ذلك لم يتم الاستمرار في مشروع الدولة المدنية، بل تم التخلي عنه فتراجعت الدولة ودورها المركزي، وعدنا إلى ما قبل الدولة، وتفتتت الهوية الوطنية إلى هويات فرعية، طائفية وقبلية وفئوية، وضعفت يد القانون فلم يعتد بالدولة، بل تم الاعتداد والاعتماد على الهويات الفرعية.
وفي غياب القانون الأساسي أو الدستور، تم تقييد الحريات بقوانين متعسفة، واستبدال رجال الدولة في الإدارة، بمحاصصة تضمن الولاءات، وأصبح نهج تعيين القياديين بالبراشوت هو السائد، والاستثناء هو تعيين الكفاءات الوطنية المخلصة والنظيفة، وانهارت منظومة القيم والأخلاق، وانهار التعليم والمرافق الأخرى، وانهارت الثقافة والفنون، وساد التخلف الاجتماعي والثقافي.
فكل ما هو حاصل من خراب في كل المجالات، أساسه غياب الدولة المدنية الحديثة، وغياب الحداثة كنهج يضمن التقدم والتنمية، وأصبحت المؤسسات شكلية معطلة القوى، وتراجع دور مؤسسات المجتمع المدني، وضاعت الثروة من خلال تقاسم الكعكة.

osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي