رؤية ورأي

فضيحة النائب البنغالي

تصغير
تكبير

فضيحة النائب البنغالي قطرة في بحر ظاهرة الاتجار بالإقامات المستشرية في الكويت منذ بداية النهضة العمرانية، حين فتحت أبواب واسعة لاستقدام عمالة متدنية المهارات والرواتب. وكما هي اليوم، كانت للظاهرة انعكاسات في المشهد البرلماني كلما كانت تصبح قضية رأي عام.
بعد مرور ما يزيد على نصف القرن، ما زالت المعالجة البرلمانية للظاهرة محدودة في مدى الأضواء الإعلامية ونطاق الخداع أو الخنوع السياسي، برغم استفحالها تكراراً إلى درجات خطيرة على المستويين المحلي والدولي. هذه الظاهرة حالها كحال سائر مشاكلنا المزمنة، ستستمر وتتفاقم بسبب ثقافتنا المجتمعية البرلمانية المشوّهة، التي تطالب النوّاب بمواقف فورية شعبوية تبرئ ذمتهم الرقابية أو التشريعية تجاه الظاهرة، ولو كانت على حساب النتائج. ولذلك العديد من النوّاب تبنّى المنهجية الشعبوية للجمع بين محبّة الشارع المعادي للظاهرة ورضا القوى الخفيّة الراعية لها.
القوى الخفيّة الراعية للظاهرة متعدّدة وواسعة. فالقضية ليست مقتصرة على دوافع الحكومة المرتبطة بالسياسة الخارجية، ومنافع كبار تجّار الإقامات المالية، بل تشمل مصالح تجّار إقامات من دون الكبار، وهم كثر ولهم ثقل انتخابي كفيل بحرمان نوّاب من تجديد العضوية. إلى جانب المنهجية الشعبوية في التعاطي مع الظاهرة، وجدت مقترحين برلمانيين يستحقان الإحياء والتجديد لارتباطهما بالمنهجية العلمية الرشيدة.


جاء الأول في صورة توصية من لجنة تحقيق برلمانية كلّفت في 1996 بالتحقيق في ظاهرة الاتجار بالإقامات، والثاني أعلن عنه النائب عبدالله الرومي بعد أحداث الشغب الاحتجاجية التي مارسها عمال بنغال بمنطقة الجليب في 2008، وقدّمه لاحقاً بصورة رسمية بمعيّة النوّاب الصرعاوي وسيد عدنان والغانم والدكتورة أسيل.
التحقيق البرلماني بشأن الظاهرة في 1996 تم من قِبل لجنة الشؤون الصحية والاجتماعية والعمل التي كان يترأسها الدكتور عبدالله الهاجري، وكان علي أبوحديدة مقرّرها. وكان بودّي أن أذكر أسماء جميع أعضائها تكريماً لجهودهم الطيبة في إجراء التحقيق وإعداد التقرير، إلا أنني لم أوفق في معرفتها.
تميّز التقرير في ثلاثة جوانب: الأول في وصف الظاهرة وبيان أسبابها وشرح أبعادها حيث تكاد أن تتطابق مع ما يردّد اليوم.
والجانب الثاني في الإشارة الصريحة إلى مواقع القصور من قبل ثلاث جهات هي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة الداخلية ووزارة التجارة والصناعة.
والجانب الثالث في التوصية التي اختتم بها التقرير، وهي «إجراء مسح ميداني شامل على جميع مواقع العمل بالكويت والشوارع» من أجل «التعرّف بصورة عاجلة على حجم المشكلة وعدد وأسماء المتاجرين بالعمالة».
بقدر سعادتي بهذه التوصية لكونها خطوة أساسية ضمن منهجية علمية لمعالجة الظاهرة، أنا منزعج من عدم تنفيذها حتى اليوم، وهي بلا شك مسؤولية الإدارة المركزية للإحصاء «المرجع الإحصائي الوحيد في الدولة» وفق قانون إنشائها، ولذلك أدعوها إلى تنفيذها بالسرعة الممكنة. وبالنسبة للاقتراح بقانون الذي تقدّم به الرومي مع زملائه في 2008، فهو يتمحور حول إنشاء مؤسسة عامة لاستقدام العمالة الوافدة، تتولى «دون غيرها» إصدار التصاريح اللازمة لأصحاب الأعمال ومستخدمي العمالة المنزلية للحصول على العمالة الوافدة والعمالة المنزلية من الخارج أو الداخل. وبالطبع نجحت القوى الخفية في وأد هذا الاقتراح بقانون. ونظراً لجدواه في مكافحة الظاهرة، أدعو إلى تجديده وإعادة تقديمه مع بداية المجلس القادم لأن مشوار إقراره سيكون طويلاً وشاقاً.
ظاهرة الاتجار بالإقامات وسائر مشاكلنا المزمنة ستدوم، وسيستمر السياسيون في ممارسة وتطوير مهارات الخداع والإلهاء والتغييب، ما لم نغيّر منهجيتنا كمجتمع في الإصلاح من فورية شعبوية إلى علمية رشيدة مرتبطة بالنتائج... «اللهم أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه».
abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي