No Script

أصبوحة

إلغاء التاريخ أم الإبقاء عليه؟

تصغير
تكبير

انتقلت عدوى تحطيم الأصنام التي لها علاقة تاريخية بالعنصرية وبيع العبيد، من المدن الأميركية إلى لندن ومدن أوروبية أخرى، في موجة يمكن أن يقال عنها سيكولوجية الجماهير أو في تعبير آخر سياسة القطيع، عندما تكون الأفعال ناتجة عن مشاعر الغضب والهياج.
وقد أطاحت الجماهير تماثيل كانت موجودة منذ مئتي سنة وأكثر، وهذا كان مدعاة لتناقض في الآراء بين مدافعين عن التراث المادي الثقافي، وبين مَنْ يرون أن هذه الآثار تعكس مرحلة سوداء من تاريخ الشعوب، يجب محوها من الذاكرة والتاريخ.
وتعتبر مثل هذه الأحداث مثيرة للجدل الثقافي، فكل معلم تاريخي هو يمثل مرحلة تاريخية كما يرى التراثيون، وإزالتها لا تعني إزالة التاريخ أو الحقائق، مهما كانت سوداوية تلك المراحل التاريخية، أما مَنْ يرون ضرورة إزالتها، فوجاهة رأيهم تأتي بأن الحاضر يهدم الماضي، والجديد يلغي القديم، وإسقاط مثل هذه الرموز هو بمثابة إصلاح لخطأ تاريخي.
ولا ينطبق ذلك على التماثيل فقط، بل نرى أن الساحات الرئيسية في العواصم تتغير أسماؤها، بعد الثورات على الإقطاع أو الاستعمار، وخاصة في دول العالم النامي، مثل أمريكا اللاتينية والدول العربية والأفريقية وغيرها، ولعل هذه الدول تشترك في تسمية الساحات (المحررة) ساحة التحرير أو ساحة الثورة أو ساحة الشهداء... إلخ.
وإذا كان الشعور العاطفي هو ما يدفع لإلغاء القديم المظلم، فإن الجهل بقيمة التراث المادي وعدم تقديره، يجعل بعض الحكومات تهدم المباني القديمة التراثية، من أجل بناء بنايات ومجمعات برّاقة وحديثة، وهذا يعكس فعلاً يقترب من الجريمة في حق التراث، ولا أدل على ذلك مما حدث ويحدث في دولنا الخليجية، حيث تم إلغاء ذاكرتنا الجميلة، وتغييب هذه الذاكرة عن الأجيال الجديدة، مما يشعر هذه الأجيال أنهم لقطاء، دون تاريخ أو أزمان متواصلة ومتتالية.
ومن حق البعض أن يسأل: هل نريد لتمثال طاغية مثل صدام حسين أن يبقى، ليذكرنا بمأساتنا ومأساة الشعب العراقي، ومن هنا يأتي التعقيد في الموضوع عن ماهية وأهمية التراث، وعما هو الجدير بالإزالة أو الاحتفاظ به.
لقد رأينا في عواصم أوروبية ذات بعد تاريخي، أنه ما زالت هناك تماثيل ترمز لملوك وأباطرة وقياصرة، ما زالت موجودة منذ قرون وترمم لتظل شواهد على عصور وحقب ماضية، وهذا ينطبق على القصور والمباني، التي تحوّلت إلى متاحف لتاريخ هذه العواصم والدول.

osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي