أصبوحة
عزلة الواقع وعزلة الذهن
هل يبالغ من يشعر بالضيق والضجر من الحجر المنزلي المفروض علينا، أم أنها بالفعل حالة لا يمكن احتمالها، وهل يمكن أن نعتبر الحجر عزلة مضرة بنا، أم أنها فقط حالة خارج عاداتنا وسلوكياتنا اليومية، التي اعتدنا عليها لسنوات قد تكون ممتدة لسنوات عمرنا، وهل يمكن أن تقتلنا هذه «العزلة».
الجواب على التساؤل الأخير هو، أن هذه العزلة لن تقتلنا سواء كانت مفروضة بقوة القانون أم كانت اختيارية، لأن الإنسان لديه قدرة هائلة على التكيف، وقد يكون هذا حال جميع الأحياء النباتية والحيوانية.
فالجنس البشري الذي وجد في أفريقيا قبل مئات الآلاف من السنين، انتقل تدريجياً إلى شمال أفريقيا وجزء آخر باتجاه اليمن، هكذا تقول الدراسات العلمية المختصة بهذا الجانب، أو النظريات سواء وافقنا عليها أم رفضناها، ومن شمال أفريقيا إلى أوروبا ثم آسيا وهكذا، ومع كل انتقال قد يستغرق مئات أو آلاف السنين، يتغير الإنسان ويتكيف مع البيئة والأجواء المناخية التي يستقر فيها، مع طفرات جينية لا بد من ذكرها ضمن السياق، والبيئة تفرض على الإنسان ما يأكله أو ما يستعمله مما حوله، فمن أحجار الصوان في أوروبا وأماكن أخرى، إلى نباتات البامبو في شرق آسيا وهكذا.
وقد أجريت قبل عقود تجربة على نوع من الشجر يعيش في بيئة أفريقية، ونقلت عبر سنوات إلى أوروبا ثم سيبيريا ثم آسيا، ووجدوا مع الدراسة والملاحظة، أن الشجرة تكيفت بالتدريج مع البيئات التي نقلت إليها، إذ لم تنقل فجأة بل أعطيت الفرصة للتكيف التدريجي.
هكذا هم البشر في الظروف والبيئات الجديدة، فعندما يتم سجن أحدهم لسبب أو لآخر، تكون الفترات الأولى هي الأصعب، أو فلنقل الربكة غير المعتادة في نمط حياته، لكنه بعد ذلك يتكيف بالتدريج إلى أن يعتاد الوضع، ويعيش بشكل طبيعي في مكان محدود.
التكيف ليس بدنياً فقط ولكن الأهم فكري ويتبعه النفسي، فمن يعيش خلف القضبان قد يكون متحرراً ذهنياً أو داخلياً أكثر ممن يعيش في بيئة مفتوحة، لأن القدرة العقلية العظيمة لدى الإنسان، قادرة على كل الظروف وكل شيء في الحياة، وجميعنا نعرف مثال إخوتنا اللبنانيين، الذين كانوا يعيشون أسوأ حرب أهلية، لكنهم مارسوا حياتهم وانتزعوا الفرح من دخان البنادق.
صحيح نحن نعيش فترة من الحظر استثنائية، لكننا ما زلنا على اتصال بالعالم من خلال التكنولوجيا، وحتى الآن لدينا ما يكفي معظمنا من الطعام والشراب، والأهم لدينا حافز قوي للحفاظ على صحتنا وسلامتنا، وعودة لبداية المقال نقول نعم هناك مبالغة مفهومة لكنها ليست مبررة للاستمرار فيها، وتعطيل حياتنا كبشر لدينا الكثير، والأهم لدينا عقولنا التي نعول عليها في كل الظروف.
osbohatw@gmail.com
