رأي قلمي

بين هذا وذاك...!

تصغير
تكبير

يقيناً وليس ظناً أو شكاً، كلما مضى الإنسان خطوة على طريق التقدم والتحضر وجد نفسه وقد تقدم خطوة نحو المزيد من التنوع والاختلاف، وذلك لأن التخلف يرسخ ويكرس الوقوف عند التشابه والاكتفاء بالضروريات، أما التقدم يجعل الإنسان يمضي في سبيل المزيد من التفريع والتنويع والتعدد بسبب زيادة عمليات الإبداع وبسبب زيادة التفنن في أساليب الرفاهية، ومن هنا كان على الناس أن ينّموا في عقولهم ونفوسهم المزيد من التقبل لما هو مختلف ومغاير لما اعتادوه وألفوه، ولا بد من الوعي والإدراك بأن التقبل لا يعني الرضا والقبول والموافقة، فهذا غير ممكن حيث إن لدينا قواعد اعتقادية وفكرية وأخلاقية نميز بواسطتها بين الحق والباطل والحُسن والقبح، أما تقبل الاختلاف فهو يقوم على أساس أن في حياة الناس أموراً كثيرة يختلفون فيها بسبب اختلاف ميولهم وأذواقهم، وبحسب الزاوية التي ينظرون منها، أو يختلفون فيها لأن الأصل فيها المرونة والسعة والإباحة.
دعونا نتأمل في جوانب حياتنا المختلفة فسنجد أنها تقوم على التنوع في إطار الوحدة، وان الناس حين يجمعهم إطار متسع ورحب يصبح داخل ذلك الإطار مصدراً للثراء والغني والنجاح في المنافسة.
إن تقبل الاختلاف له العديد من الأسس الأخلاقية، منها المساواة فحين تنظر إلىَّ على أنني أقف معك على قدم المساواة في مسألة ما، فهذا يعني أنه ليس من حقي الحكم عليك، ولا من حقك الحكم عليَّ، فلكل منّا معاييره التي يمكنه أن يطبقها على نفسه، وليس على غيره.
أحياناً تقتضي طبيعة الأخلاق الإيجابية أن أتقبل نفسي على ما هي عليه، وأن أتقبل غيري على ما هوعليه، ويكون هذا التقبل القاسم المشترك للتفاهم والإصلاح والتغيير.
بلمحة خلّابة ومدهشة يقرر القرآن الكريم أن تنوع الناس ينبغي أن يدفعهم إلى التعارف والتعاون على الخير حين قال سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى? وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ».
هذا التعارف هو مصدر للتعليم ومصدر للوعي بالذات، ولو كان الناس متشابهين لانعدم مفهوم القائد والرائد والمصلح والإمام... إن الاختلاف هو طريق التوافق الواعي على قاعدة: «نختلف لنأتلف»، فالاختلاف هو طريق التكامل بين الرجل والمرأة رغم ما نراه من اختلاف في تركيب طبيعة كل منهما، وعلينا أن ندرك أن اختلافنا على الصعيد الاجتماعي هو موضع ابتلاء بالنسبة لنا ليرى الله تعالى كيف نتعامل مع بعضنا حين يكون فينا القوي والضعيف والذكي والغبي والفقير والغنيّ والقريب والبعيد، ولو كنّا متفقين في كل شيء لغاب معنى الابتلاء والاختبار على صعيد علاقاتنا الاجتماعية.
سنتعرف على قواعد في التعامل مع الاختلاف في مقالٍ لاحق بإذن الله.

[email protected]
‏mona_alwohaib@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي