رأي قلمي

أشكال باهتة...!

تصغير
تكبير

الكثير من المربين يعتقدون أن التربية عبارة عن نحت وتشذيب في شخصية الطفل، فحسب، وفي الحقيقة إنما هي إغناء لشخصيته من خلال توفير الحاجات والشروط التي تسمح بنمو شخصيته بشكل متكامل وصحيح.
تشتد حاجة الطفل إلى الشعور بالكرامة والتقدير من قبل المجتمع الذي يعيش فيه، وإذلال الطفل يولّد لديه مناعة ضد كل النصائح التي تلقى عليه، وسلب كرامته يسوغ له عمل القبائح. وإذا كان الكبار لا يستغنون عن التقدير والتشجيع والثناء فإن الأطفال أحوج إلى ذلك، فالطفل كائن غريب على مجتمعه الناضج، ومن ثم يقوم بأعمال كثيرة ولا شعورية أحياناً في سبيل انتزاع اعتراف مجتمعه به، وصلاحيته لعضويته فيه، وعلينا أن نمنحه ذلك، ونشعره به دون شطط وظلم وجور.
الطفل يحب الاستقلال والتميز، لكنه يشعر بأن ما لديه من إمكانات ومعارف لا تؤهله للاختيار الراشد في كثير من الأحيان. ولا نغفل عن ألا يتم التوجيه أمام الناس، ولا بصورة مستمرة ولا مباشرة ولا عنيفة على قدر الإمكان، وإنما يتم التوجيه عن طريق الإيحاء وعرض أضرار بعض السلوكيات.
إن الطفل بحاجة ماسّة إلى الشعور بالأمن ووجود مَنْ يحميه، لذا علينا أن نشعره بأننا نقف إلى جانبه ومساعدته كلما احتاج، وعلى المربي أن يعلّم الطفل الاعتماد على النفس وتدبير شؤونه الخاصة، ولكن في المقابل لا يغفل أن يشعر الطفل بأنه ليس وحده، وأننا قادرون على التضحية من أجل إسعاده وحمايته. لذا لا بد ألا تتخذ التربية أشكالاً وأنماطاً ثابتة، يتوارثها الأبناء عن الآباء، وتشكل تلك الأنماط على مرور الزمن جزءاً من الأعراف والتقاليد التي تنبغي مراعاتها والمحافظة عليها، وهذا في الحقيقة أول تحدٍ تواجهه التربية، إذ إن التغير السريع يجعل كثيراً من الأساليب التربوية التي ألفناها لا يستطيع مسايرة المستجدات، مما يلزمنا باستمرار أن نبدع من الطرق والوسائل التربوية ما يساعدنا على إيصال ما نريده إلى أطفالنا بشكل يناسب روح العصر ومنطقه ولغته.
مهم جداً أن نذكّر المربي في الأعمال التربوية الأساسية والتي تعتبر الشريان التاجي في قواعد التربية، فعلى المربي ألا يدمج الذات في الموضوع، ولا المضمون في الشكل، فنحوّل المضامين إلى أشكال باهتة لا روح فيها. إن مهمة التربية ليست تفصيل إنسان على مزاجنا ولكن تنمية استعدادات إنسان وتهيئته ليعيش بكامل قواه المعنوية والمادية لتنشيط وإنضاج وظائفه الحيوية في هذه الحياة على نحو يحقق عبوديته لله - تعالى - ويسعفه في الحصول على مستوى من العيش الكريم.

[email protected]
‏mona_alwohaib@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي