رأي قلمي

بالسمو والتعالي...!

تصغير
تكبير

تشكّل الأخلاق الفردية والأخلاق الاجتماعية شيئاً متميزاً بين تعاليم الأديان السماوية عامة والدين الإسلامي الحنيف خاصة، وان الأمم والدول والمجتمعات لا تزدهر، ولا تتقدم من غير الاستناد إلى قاعدة أخلاقية متينة. وقد صار من المعروف لدى كبار الباحثين في شؤون الحضارة أن الطابع الحقيقي للتقدم الحضاري، ليس طابعاً عمرانياً تقنياً، وإنما هو في المقام الأول طابع روحي أخلاقي معنوي، ومعطيات الواقع تؤكد هذا، قد فسد القضاء في بعض الدول الإسلامية إلى درجة استعداد القاضي لأن يحكم في القضايا المعروضة عليه للطرف الذي يدفع له أكثر! وصار بعض المحامين يقطع على نفسه وعداً لموكله بأن يطيل سنوات وسنوات إذا كان يرى أن الحكم في غير صالحه... إن هذا السلوك المخجل من بعض رجال القضاء والمحاماة لا يتم من خلال خرق القوانين، فهم حماتها! ولكن من خلال استغلال الفراغ القانوني وتعقيد الإجراءات القانونية وكثرة تفاصيلها، وهذا الاستغلال لم ينتشر ويصبح شيئاً عاماً إلا نتيجة خراب الذمم وموت الضمائر.
لا تستحق سلطة ما اسم دولة إلا إذا حققت إنجازات مادية ومعنوية ملائمة، وإلا إذا امتلكت القدرة على ضمان حقوق الناس وحمايتهم من شرور الأشرار منهم، ولا يستحق تجمع بشري اسم «مجتمع» إلا إذا كان يملك العقيدة والفكرة الجامعة والأساس الأخلاقي لطموحاته وعلاقاته. التقدم الحضاري المطلوب سيظل مرتهناً لخضوع الفرد لإدارة الجماعة «المجتمع» لأن البديل عن ذلك سيكون هو السلوك الأناني والفوضوي الذي يميز الحياة البدائية، ومن جهة أخرى على المجتمع أن يُخضع مسيرته وعلاقاته للمبادئ والمثل والقيم التي يؤمن بها، وذلك من خلال شعوره بحفزها المعنوي وإغرائها بالسمو والتعالي الذي يشكّل مصدراً للقناعة والإرضاء الداخلي ومصدراً لشعور الإنسان بمركزيته في هذا الكون.
إن نسيجنا الاجتماعي يتعرض اليوم لاختبار عسير وشاق بسبب الدفق الثقافي المخيف الذي يتوالى من كل اتجاه، وبسبب تغير الكثير من ظروف الحياة المعيشية، بدأنا نفقد قيم الرحمة والتلاحم الأهلي والمساندة الأخوية التي كانت سائدة بين الأقرباء والجيران، وبدأت معاني النخوة والشهامة والنجدة تفقد الكثير من رصيدها في النفوس ومن تجسيداتها في الواقع. كل هذا يحدث اليوم بسبب خسراننا لكثير من القديم ولم نتمكن من صياغة الجديد. وإذا أردنا أن نحافظ على ما تبقى من قيم وأخلاق، فإن هذا لا يكون بالدفاع عنها، وإنما باكتساب المزيد منها، وإلا فإن ما ينتظرنا مخيف ومضر للغاية.

[email protected]
‏mona_alwohaib@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي