ضوء

عاملات المنازل (4)

No Image
تصغير
تكبير

هل من المكن الاستغناء عن عاملات المنازل في دول الخليج العربي؟ سؤال يطرق الذهن وبشدة لأسباب عدة، منها أولا: التكاليف المادية الكبيرة التي أصبحت تثقل كاهل المواطن، فمثلاً لجلب الشغالة الفيلبينية على المواطن أن يدفع للمكتب ولاستصدار التأشيرة مبالغ طائلة، إضافة إلى تكاليف المأكل والمشرب والملبس وبقية الاحتياجات الأساسية للعاملة، مما يؤدي إلى زيادة العبء المادي على المواطن.
ثانيا: بسبب زيادة المشكلات الناتجة عن استقدام عاملات المنازل سواء المشكلات الأسرية والاجتماعية، وزيادة هروبهن والجنح والجرائم، وكلها تقع على رأس المواطن، مما يؤدي إلى زيادة المشكلات والأخطار عليه، ولعدم وجود قانون واضح يحدد واجبات وحقوق كل طرف، ليحدد الآليات والقنوات الواضحة، التي يمكن أن يلجأ إليها كل طرف في حال الإخلال بالأخلاقيات والواجبات المنصوص عليها في العقود.
ثالثا: بسبب وجود فرد أجنبي في البيت، حتى لو لم يسبب أي مشكلة، لأن وجوده بحد ذاته يؤدي إلى شعور ربة البيت بالمسؤولية تجاهه، فكثير ما نسمع الزوجة تقول: «جلبت الشغالة لكن بدل من أن تخدمني صرت أخدمها وألبي طلباتها، سواء متطلبات الرعاية الصحية أو تلبية احتياجات العاملة الشخصية».
وفي الجهة المقابلة فإن هناك إيجابيات من وجود العاملات في البيت، لكن في المقابل ماذا تخسر الأسرة من وجود العاملة الأجنبية؟
يفقد أفراد الأسرة روح العمل، ويصبح الأولاد والبنات كسولين واتكاليين، فلا البنت تعرف كيف تطبخ أو تنظف لكي تكون ربة بيت بمعنى الكلمة، كما هو التقسيم السائد في المجتمع للأعمال المنزلية، ولا الولد يعرف حتى أن يغسل سيارته أو يصلح أي عطل منزلي، ليصبح رجلاً بمعنى الكلمة يتم الاعتماد عليه.
بالإضافة إلى تأثير ثقافة العاملة الأجنبية على أفراد الأسرة، خصوصاً اكتساب الأطفال لعاداتها ومسلكياتها بسهولة.
كما تفقد الأسرة روح العمل الجماعي الذي كان سائدا قبل سنوات طويلة، لوجود شخص غريب يقوم بكل المهمات المنزلية المطلوبة، فيصبح كل شخص انعزالياً، وليس له علاقة بالآخر داخل الأسرة، فكل فرد مشغول بنفسه ويتواصل مع الأجهزة الالكترونية، كالهاتف والآيباد، أكثر من التواصل مع أمه وأبيه وأخوته.
كما يؤدي ذلك إلى عدم تقدير أهمية الوقت، ويصبح إهدار الوقت في أمور ثانوية وتافهة أمرا طبيعيا.
تتفق الصديقتان سلوى جابر ولولوة مرحوم على أهمية دور الدولة، فتقول سلوى: «إن جزءاً كبيراً من المشكلة ناتج عن غياب التعاون في البيت، فكل فرد يريد أن يحصل على ما يريد بلا أي جهد ولا تعب، مع إننا يمكن أن نعوّد أطفالنا منذ الصغر على أداء المهمات والاعتماد على أنفسهم، فقط كبار السن أرى أنهم بحاجة ماسة إلى المساعدة، لكن لماذا كبار السن من الأجانب يعتمدون على أنفسهم؟ نرى من تعدى عمره الثمانين منهم يقود سيارته بمفرده ويقوم بمهمة التنظيف في بيته، للأسف نحن في الخليج تعودنا على الكسل والدلع، لماذا يوجد الكثير من الأجانب ممن يعتمدون على أنفسهم في كل شيء حتى كبار السن والأطفال منهم؟ من تجربتي الشخصية أنا لم أجلب أي شغالة في البيت طوال ثلاثين عاماً، إلا بعد أن تعرضت والدتي إلى أزمة صحية، فأنا أقوم بكل شيء تقريباً في المنزل، ومن وجهة نظري أرى أنه يمكننا الاستغناء عن عاملات المنازل، وبالطبع هذا الأمر له علاقة بالخدمات التي تقدمها الدولة، مثل دور الحضانات والرياض المجانية المرتبطة بالتعليم العام، ووجود المواصلات الدقيقة، والمطاعم النظيفة، ذات الأسعار المناسبة، واعتماد الرياضة كأسلوب للحياة، لذلك نرى ظاهرة عاملات المنازل غير موجودة بتاتا في الدول الأجنبية لوجود الشبكة المتكاملة من الخدمات المتوافرة للأسرة كلها».
أما لولوة فهي تقول: «ماهو دور الدولة؟ تريد الانتاج من المرأة من دون أن تفكر في أبسط الأشياء لمساعدتها، مثل إنشاء دور الحضانات في كل الوزارت وكل الشركات، من حق المرأة أن تعمل وتحقق طموحاتها، لكن لا بد للدولة أن تساعدها، وطبعاً الأهل لهم دور، لكن الظروف المعيشية الحالية تختلف عما عاشتها أمهاتنا، فعندما تتقاعد المرأة تحتاج إلى الراحة وتحقيق ما تتمناه، كما لابد للزوج أن يقف إلى جانب زوجته في كل ما يتعلق بالطفل والتربية، لأن المرأة كلما تعلمت تريد أن تنتج للبلد وتعطي أكثر، نؤكد أهمية دور الدولة في تقديم خدمات مجانية أو مدفوعة، فلا مانع حتى لو تأخذ الدولة نسبة من الراتب لعمل مشاريع لخدمة الأجيال المقبلة من حضانات ورياض أطفال في أماكن العمل».
وبالطبع نؤكد على كلام الصديقتين، ونقترح الاستعانة بالعاملات بشكل موقت وليس دائماً، فلقد ظهرت في السنوات القليلة الماضية، المكاتب التي تقدم خدمة العاملات بشكل موقت بالساعات أو بالأسابيع، ونرى بأنها أفضل من جلب الشغالة بشكل دائم في المنزل، ولكل خيار سلبياته وإيجابياته، وعلينا أن نختار الذي تزيد إيجابياته على سلبياته، والله من وراء القصد.

aalsaalaam@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي