نبدأ مقالنا بسؤال قد نتفق أو نختلف في الإجابة عنه، لأن الإجابة تعتمد على مرجعية الشخص وتوجهه الفكري وعمق فهمه للمفاهيم وخبرته وتجاربه، السؤال هو: هل العقل يستسلم حين تضعف الأخلاق؟!
يحرص كثير من المفكرين والكتّاب على أن يظهروا في أفكارهم وكتاباتهم بمظهر العقلاني البعيد عن التحيز للمبادئ الأخلاقية، عمّ وسيطر على كثير منهم شعور بأن الدعوة إلى الأخلاق إرث ثقافي من إرث الماضي، وظنوا أن مشكلة الإنسان الأساسية تكون في عدم امتلاكه منهجية قويمة في التفكير. وتجاوزوا الحدود في اتهام من يتمسك أو يدعو للتمسك بالخلق القويم بالسذاجة والنفاق ومحاولة كسب تعاطف الناس من غير وجه حق... حتى إذا انحدر الناس نحو الرذيلة والهمجية، وسيطرت عليهم الأنانية أخذوا يصيحون ويجأرون بالشكوى من تردي وسوء الأحوال، وتجاهلوا أن ما نحن فيه يعود في جانب منه إلى ما طرحته أفكارهم ونفثته أقلامهم من التهوين بالمبادئ الأخلاقية والفضيلة.
إن الغريزة تستبعد العقل إذا انهدم الحصن، وكل إنسان لديه مبادئ أخلاقية يتحصن بها من التيار الشهواني الغرائزي الذي يطّوع العقل لمتطلباته. إن العقل قد يكشف عن فرص النجاح والتفوق أو فرص الربح والفوز، لكنه لا يحجز ولا يمنع أبداً عن ارتكاب الفظائع وأمور شديدة الشناعة في سبيل الوصول إلى تلك الفرص. إن العقل والعلم قد يدلان الإنسان على كيفية العلاج وكيفية القتل، لكن المبادئ والأخلاق هي وحدها التي تحدد متى ينبغي أن يكون العلاج، ومتى ينبغي أن يكون القتل!
كثير من المجتمعات ضحت بأخلاق الناشئة لديها، وتركتهم يواجهون التيارات الشهوانية الرهيبة بكل ضعف وهشاشة، رضوخاً لما يأتي به الانفتاح من السلع المستوردة والأفلام والمجلات الماجنة، فكانت النتيجة نشوء أجيال لا تصلح لأي شيء! ومن خسر نفسه لا ينتظر أن يكسب شيئاً!
إن الطاقة الحيوية لدى الناس حين يديرها العقل بعيداً عن القيود والمدلولات الأخلاقية تتحول إلى عامل تدمير يأكل الخضر واليابس لا يُبقي ولا يذر، وإن التلاعب بالجينات الوراثية الذي يجري اليوم ما هو إلا شاهد أوّلي على ما يمكن أن يحدث في المستقبل!
[email protected]
mona_alwohaib@