تجرى - بعد أيام قليلة - الانتخابات التكميلية لعضوية مجلس الأمة، حيث يتنافس المرشحون على مقعدين أحدهما في الدائرة الثانية والآخر في الدائرة الثالثة، ذلك بعد أن أسقط المجلس عضوية النائبين الدكتور وليد الطبطبائي والدكتور جمعان الحربش، نتيجة إدانتهما في قضية دخول المجلس، وإلغاء المحكمة الدستورية للمادة 16 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة.
وهذه ليست هي المرة الأولى التي تقام فيها انتخابات تكميلية لمجلس الأمة في الكويت، بل لقد شهد كثير من المجالس انتخابات تكميلية منذ مجلس الأمة الأول؛ وآخرها ما شهده مجلس 2013 من إقامة الانتخابات التكميلية مرتين، الأولى بعد استقالة مجموعة من النواب، والثانية بعد وفاة النائب السابق نبيل الفضل رحمه الله، ورغم أن الانتخابات التكميلية بشكل عام لا تحظى بالزخم نفسه، الذي يصحب الانتخابات العامة لمجلس الأمة؛ إلا أنها عادة تخلق حالة من الأجواء الانتخابية التي تنعكس على أحاديث المواطنين في الديوانيات على أقل تقدير، أما هذه الانتخابات تحديداً فيبدو لي - وقد أكون مخطئاً - بأنها لم تحقق تلك الحالة المتوقعة، بل إن العديد من الناخبين لا يعلمون بأن هناك انتخابات قريبة، وهذا ما أكدته نتائج استطلاع صلاح الجاسم حيث أشار إلى أن العديد من الناخبين لا علم لهم بشأن الانتخابات وعلموا بها من خلال الاستطلاع، وطالب المرشحين بالتركيز على حث الناخبين للتوجه لصناديق الاقتراع!
قد يبدو للوهلة الأولى أن الهدوء المصاحب لهذه الانتخابات هو أمر طبيعي، كونها انتخابات تكميلية والمنافسة منحصرة حول مقعد واحد في كل دائرة، إلا أنني أعتقد بأن الوضع يتجاوز حالة الهدوء النسبي، فهناك عزوف وعدم اهتمام واضح من الناخبين بهذه الانتخابات، بل إن العديد من النواب السابقين ممن لم يحالفهم الحظ في انتخابات 2016 قرروا عدم خوض التكميلية، خصوصاً في الدائرة الثالثة حيث لم يترشح لها من النواب السابقين سوى مرشح واحد من بين خمسة وثلاثين مرشحاً، أما الدائرة الثانية فشهدت ترشح نائبين سابقين فقط من بين ستة وعشرين مرشحاً!
هذا العزوف المتوقع عن المشاركة وعدم الاهتمام بوجود أجواء انتخابية لم يأت من فراغ، فهناك أسباب عدة لهذه الحالة: أولها الفترة القصيرة المتبقية من عمر المجلس الحالي، حيث سيدخل المجلس بعد أشهر قليلة في العطلة الصيفية التي تسبق دور الانعقاد الأخير، أما السبب الأهم والأخطر بالنسبة لي فهو حالة الإحباط التي أصابت المجتمع بسبب سوء أداء السلطتين التشريعية والتنفيدية في هذا الفصل التشريعي، وهو الأمر الذي بينته مؤشرات مستوى رضى الرأي العام عن أداء المجلس والحكومة، حيث أشارت تلك المؤشرات إلى تراجع مستوى رضى الرأي العام عن أداء المجلس والحكومة خلال السنوات الماضية، فالمجلس الحالي الذي رفع آمال الشعب بعد التغيير الكبير الذي أحدثته الانتخابات الأخيرة في تركيبة مجلس الأمة، لم يحقق المطلوب ولم يرق لطموحات الشعب، فها نحن اليوم نوشك على الانتهاء من دور الانعقاد الثالث وما زالت وعود النواب بحل ملفات الأزمة السياسية لم تتحقق، كما يبدو واضحاً الانحدار المستمر في مستوى الخدمات العامة كالتعليم والصحة والعجز الكبير عن حل مشاكل بسيطة كمشكلة تطاير الحصى التي مضى عليها ما يقارب الخمسة اشهر، هذه المشاكل والعديد العديد غيرها هي السبب الرئيسي لإحباط الناس ويأسهم من هذا المجلس وهو ما أدى لشعورهم بعدم أهمية هذه الانتخابات.
الحقيقة ليست لديّ أوهام حول إمكانية الانجاز في ظل سوء الأداء الحكومي والبرلماني الحالي، إلا أنني أتمنى ممن سيحالفه الحظ من المرشحين أن يكون قد استفاد من أخطاء النواب الحاليين، حيث أتيحت له الفرصة لمتابعة هذا الوضع السيئ على مدى ثلاثة أعوام، فالاعتماد على العمل البرلماني فقط قد أثبت فشله والابتعاد عن الشارع السياسي، وعدم العمل على تشكيل رأي عام ضاغط على الحكومة ساهم في وصول الأوضاع لهذه المرحلة المتردية، لذلك أتمنى هذا رغم قناعتي بصعوبة الوضع واستحالة التغيير في ظل السيطرة الحكومية على مجلس الأمة، فاستمرار الوضع على ما هو عليه قد يؤدي لعزوف الناس عن المشاركة حتى في الانتخابات العامة، والوصول لمرحلة الكفر بالديموقراطية وهي المرحلة التي سعت لها السلطة منذ بدء العمل بالدستور.
dr.hamad.alansari@gmail.com
twitter: @h_alansari