ضوء
الأدب الشعبي (1)
ما هو مفهوم الأدب الشعبي؟ في البداية علينا تعريفه بشكل دقيق، لأنه جزء من التراث الشعبي، الذي يستغرق مظاهر الحياة الشعبية قديمها وحديثها ومستقبلها، ومفهوم التراث شاسع وكبير، ويشمل كلا من: التقاليد والموروثات، والموسيقى والفن الشعبي، والمأكولات والأزياء والألعاب الشعبية والحرف الشعبية، وغيرها، وبالطبع يندرج الأدب الشعبي ضمنه، وكل شيء قد يتحلل ويزول، إلا الكلمة تبقى طرية متجددة يزيدها الزمن حياة وقوة، لذلك جاء شعار أسرة الأدباء والكتاب البحرينية في عيدها الذهبي (الكلمة من أجل الإنسان).
والأدب الشعبي هو: العبارات والجمل والأمثال والأشعار والخطب والحكايات والأساطير، الشفهي منها والمكتوب، التي تخرج من ضمير الشعب وقلبه وعقله وتنعكس فيه بشكل مطبوع لا مصنوع، لتجعل منه مجتمعا له خصائصه المتميزة وطابعه الخاص، وكلها حصيلة معاناة الشعب وجهد الباحثين في التوثيق.
ويدخل في هذا المفهوم الكنايات والأمثال والحكايات والمواويل والألغاز والشعر والنثر، ولا تندرج تحته النصوص التي كتبت أو قيلت احترافا أو تكليفاً، وبطريقة لا تجعل منها فكرا يمثل غالبية الناس أو يمس ما تضمره نفوسهم، وهذا يعني أن النصوص الأدبية السردية والنثرية والشعرية (الفردية) وأغاني الإذاعة والتلفزيون والمسلسلات والمسرحيات لا تعد أدبا شعبيا، إلا بعد عوامل عدة منها: مرور زمن طويل يجعل منها تراثاً أدبيا، وعندما تتفق على تصنيفها الذائقة الشعبية العامة فيما بعد ضمن التراث الشعبي أو خارج عنه.
ومثلما صنّف الناس الأغاني التي تردد المقامات العراقية القديمة والمواويل التي انطبعت بطابع النشيد الشعبي، يمكن تصنيف أي نتاج أدبي حالي تتوافر فيه الشروط لوضعه في خانة الأدب الشعبي لاحقا، كتصنيف أغاني ناظم الغزالي وسيد درويش، ضمن التراث الشعبي.
ونرى بأن الأدب الشعبي، يصدر عن النخبة الشعبية، لكن يتداوله الناس جميعا، وكثير من الأحيان يضيفون عليه، ليمثل الذائقة الشعبية في المجتمع، لذلك فإن الكثير مما جاء في الأدب الشعبي مجهول المصدر، حتى لو جاء على لسان أحد المبدعين والموهوبين المجهولين، إلا أنه يتم إدخال على ما قاله، بعض التعديلات لكي يتناسب مع الذائقة الجمعية، ومن هنا نلاحظ التغيير الطفيف والواضح في المقولة أو النص الشعبي أو الحكاية الشعبية من قطر عربي إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى، بل ومن قرية إلى أخرى.
ذلك أن للأدب الشعبي جذورا راسخة متصلة بالمكان والزمان، فهو يحيا بالمكان ويتجدد مع الزمان.
يقول العلامة كامل مصطفى الشيبي: «وحيث إن العرب ينتشرون في البقاع الفسيحة من الأرض بصحاريها ووديانها، وسهولها، وجبالها ومدنها وقراها، فإن تعبيرهم عن أنفسهم وأوضاعهم وأحاسيسهم لابد وأن يكون معاصرا لوجودهم.
من هنا فإن المنطق يقضي بسبق الأدب الشعبي على الأدب التقليدي المعروف، إذ إن الأدب الذي يقوله سواد الناس هو الذي يصور الحياة بتفصيلاتها ووقائعها وليس الأدب التقليدي الخاص الذي تحكمه القواعد والتقاليد الاجتماعية ومجالس الأمراء والملوك.
والاختلاط الذي حدث بين شعوب الأرض تحت راية الإسلام العظيم، أدى إلى تمازج الثقافات، ومن أجل حفظ اللغة العربية من الضياع، جاءت قوانين النحو والصرف، وجاءت ضوابط التعبير، فتوارى الأدب الشعبي في شكليه البدوي والحضري، وارتفع الأدب التقليدي، لوصفه الآخذ بالضوابط الجديدة، فغطى بظله على ما عداه، وعني به الناس، وتسلمته المجتمعات وعنيت به الطبقات وسجله الرواة والمصنفون، وظل الأدب الشعبي، منقطعا مستوحشا، بالقياس بالتقليدي، ينتظر العناية والرعاية، والتوثيق التسجيل، وذلك ما فعله غيرنا في الماضي ونفعله اليوم بكل فخر وسعادة».
ونحن نتفق مع رأي العلامة الشيبي بأسبقية الأدب الشعبي على التقليدي، فقبل حوالي العشرة آلاف سنة وأكثر، كان المجتمع الزراعي هو السائد، فكانت المرأة تعمل بجانب الرجل في الحقول، وتصدح بالمواويل معه، أو حينما كانت الملاحم الشعبية تنتاقلها الألسن لتعبر الحدود من مكان إلى آخر.
ويبدو أن السجع كان الصورة الأولى من التعبير الفني، ومن الطبيعي أن يظهر على أيدي الكهان في المعابد الكثيرة التي انتشرت إرواء لعطش الإنسان العربي إلى الاتصال بالسماء ونيل الأمان من القوة الرهيبة التي تغير الفصول وتحيي وتميت، وتضر وتنفع فتقربوا إلى الآلهة بجمل منمقة خوفاً ومهابة.
[email protected]