إن الجوهر والمنظر شيئان لا ينفصلان انفصالاً تاماً، بل بينهما علاقة تأثر وتأثير وأخذ وعطاء، ولكن! تكمن المشكلة في اختلال التوازن بين الجوهر والمنظر، أو بين المضمون والشكل، فالناس متفقون على أن اللب هو الأصل والنواة التي ينبغي أن تُعطى القسط الأكبر من الاهتمام والعناية، لأن كل الإنجازات الحقيقية التي تتم على السطح نابعة أساساً من إنجازات تمت على مستوى الكينونة والجوهر.
هنا نتوقف لنتمعن في معنى الشكل والمضمون، أو الجوهر والمظهر، من خلال العلاقة بينهما، وقبل أن نعجب بجمال الأجسام وننبهر بفصاحة اللسان، لا بد أن نعّرف المفاهيم المعنية بالقضية، فالجوهر: هو مجموع الخصائص والصفات الخُلُقيّة والنفسية والصور الذهنية، والخبرات والموازنات العميقة للفرد.
أما المظهر: فهو مجموع ما يحمله الفرد من الصفات الجسمية، وما يمتلكه من الأشياء، وما يَشْغَله من وظائف، مما لا يُعد له صلة مباشرة بكينونته الذاتية.
غالباً - إن لم يكن دائما - الناس تحكم على الشكل، ويكون الحكم نابعاً من الاعتقاد بأن الاهتمام بالشكل هو الأمر الطبيعي بين البشر، أما الجوهر لأنه ينمو ويتطور عن طريق التربية الخاصة في الأسرة أو المدرسة، فمن الصعب الحكم عليه إلا في حال تعري الإنسان بسلوكه سواء كان سلبيا أو إيجابيا، هنا قد يكون الحكم على الجوهر والمضمون منصفاً، أظن نتفق حين يضعف الجانب الأخلاقي لدى الفرد فإن الميزان يميل مباشرة لمصلحة المظهر، ويهمل الغالبية الجوهر الذي هو أساس عقل وشعور وسلوك الإنسان.
من السمات الأساسية للشخص الذي يهتم بالجوهر: الاستقلالية، والحرية، وحضور العقل النقدي، واستثمار للطاقة الإنسانية، والنمو، والتدفق. ولهذا كان من عواقب الاتجاه إلى الشكل والتغافل عن المضمون كثرة المشتهيات والمغريات، وانعدام السعادة! وكل هذه التحولات في اتجاه الشكليات جعلت المجتمع يفقد الصلة بمكوناته الأساسية، ويختل التوازن، وتكثر المشكلات والخلافات، وفقدنا السعادة التي هي شعور مصاحب للنشاط الإنساني، وهي أقرب إلى أن تكون حالة من الوجود المتصل على تلة رحبة، لأنها وهج لكينونة الإنسان، ونشاطه الداخلي، فلنراجع أنفسنا ولا نجعل أيامنا متشابهة وتمضي كما مضت أيام من قبلها، لنكون أصحاب رسائل حضارية متوازنة بين شكلها ومضمونها.
[email protected]mona_alwohaib@