تَفنُّن في إعدادها ولكلّ مناسبة... زينتُها

النرجيلة «الدليفري» في لبنان... «شبّيك لبّيك الشيشة بين إيديك»

تصغير
تكبير
  • مالك «كافيه»  في بيروت لـ «الراي»: النرجيلة العادية سعرها  4 آلاف ليرة خارج المحل و3 آلاف داخله  
  • نكهات كالتوت  والشمام وعلكة البابل ... أغرب طلبات الزبائن

«رفيقةُ درب» اللبنانيين في المناسبات وبِلا مناسبات، «ضيفةٌ دائمة» لقسمٍ كبيرٍ منهم في المنزل كما النزهات، و«جليسةُ السهراتِ» في المطاعم والمقاهي وفي كل مكان...
هي النرجيلة التي عَرَفها لبنان، وتحديداً عاصمته بيروت منذ الحقبة العثمانية، وصارت «عابِرة للزمن»، تكيَّفتْ مع تحوّلاته و«سرْعاته» و«صَرْعاته» إلى أن كانت «موضة» الشيشة... الدليفري.
في بدايات الألفية الثالثة، أطلّت هذه الظاهرة التي تحوّل معها «الدليفري» أشبه بـ «بساط الريح» الذي يحمل النرجيلة سريعاً «إلى باب البيت» وعلى طريقة «شبيّك لبّيك... الشيشة بين إيديك».


بـ «ألو أرجيلة»، أو رسالة «واتساب»، إلى واحدة من المقاهي «المزروعة» في كل حي تقريباً من بيروت، «تطير» النرجيلة وغالباً على دراجة نارية، إلى وُجْهتها بـ«أبهى حلّة» وبكامل «زينتها» التي بات لها «فنّيوها» وبأطيب نكهاتها وصولاً إلى الشيشة... الملكة.
هي «العادة» أو «التقليد» أو «التراث»، كما يحلو للبعض تسميتها، التي «هزمت» قانون منْع التدخين في الأماكن العامة المغلقة وأمكنة العمل الذي صدر العام 2012 والذي «نَفَخَتْ» النرجيلة في وجهه بصوت أصحاب المطاعم والمقاهي التي لا تحلو السهرات في غالبيتها من دون... «نارة يا ولد».
هي «الموروث» الاجتماعي، الذي كان يرتبط بالوجهاء و«القبضايات» قبل أن «يتسرّب» إلى كل الفئات ثم الأعمار فالجنسيْن، وينتقل من الأرصفة في الأحياء ليتحوّل من «ركائز السياحة» (في المطاعم والمقاهي)، ومن مرتكزات الجلسات العائلية على الشرفات إلى «رفيقة الرحلات»، على البحر كما الثلج وفي الحقل، إلى أن شهدتْ تحوُّلاً وسّع رقعة انتشارها كما طريقة تَمدُّدها عبر خدمة «الدليفري» التي لم يعد من حاجة معها لأن تكون الشيشة وعُدّتها من «حواضر البيت» بل تحضر إليه... من بُعد.
وإذا كانت النرجيلة تشكّل عنصراً أساسياً في احتلال لبنان مراكز متقدّمة على قائمة البلدان الأكثر تدخيناً في العالم وفق منظمة الصحة العالمية، فإنّ «انفلاش» الشيشة وتطوّر هذه «الصناعة» ووسائل إيصالها بـ«كبسة زر» يشي بمزيد من التقدّم «إلى الخلف» في مسعى مكافحة التدخين، في بلدٍ يسجل أعلى معدلات أنواع السرطان في المنطقة، وسط أرقام نُشرت العام 2015 وأشارت إلى أن حجم سوق النرجيلة، أي المعسّل (في تلك السنة) ناهز ثلاثة ملايين ونصف المليون كيلوغرام وأن المعسّل استُهلك بحدود 30 في المئة في المطاعم والمقاهي و70 في المئة... في المنازل.
ولأن المنافسة صارت «شرسة» بين مقّدمي خدمات الإيصال إلى البيت، فإن بعض «أولاد الكار» باتوا لا يكتفون بإعداد نرجيلة عادية على نكهات مختلفة، ولا سيما التفاحتين والحامض والنعناع والعنب، إذ قبل أشهر قليلة بدأ العاملون في هذا المجال بتقديم «نسخات» مميزّة حتى وصلْنا إلى «النرجيلة السبيسيال» (المميزة)، بحسب ما قال لـ «الراي» علي صيداني وهو مالك «كافيه» في أحد شوارع بيروت.
صيداني، الذي كان جالساً أمام «الكافيه» على الرصيف، عبّر بداية عن حزنه من مغادرة معدّ النرجيلة (يحمل الجنسية السورية) العمل لديه من دون إطلاعه: «كنتُ أعتمد عليه في كل شيء، كونه محترفاً في تجهيز النرجيلة، وقد استطاع خلال سنة جذْب زبائن من مختلف المناطق، فهو يعمل في هذا المجال منذ صغره حين كان في بلده»، مضيفاً: «لديه خلْطة خاصة يطلبها الناس، كما أن إعداده للنرجيلة بأنواع الفواكه المتعددة لا مُنافِس له فيها».
واثقٌ صيداني من الخدمة التي يقدّمها للزبائن سواء من ناحية الأسعار والعروضات أو لذة النكهات، وقال: «خفّضنا سعر النرجيلة السبيسيال، وهي عبارة عن رأس مصنوع من حبة بوملي أو أناناس أو بطيخ أو تفاح أو ليمون أو حامض، يتم وضع كمية كبيرة من المعسل فيه مع تزيينها بفواكه طبيعية، وذلك من 15 ألف ليرة (10 دولارات) إلى 10 آلاف (نحو 7 دولارات) ومن ثم 5 آلاف ليرة (نحو 3 دولارات). أما النرجيلة العادية، فسعرها 4 آلاف ليرة خارج المحل و3 آلاف داخله، ومن العروضات أنه عند طلب كل نرجيلة يعطى الزبون بطاقة، وبعد تجميعه 5 بطاقات يحصل على نرجيلة مجانية».
لا يقتصر الأمر على إدخال الفواكه للنرجيلة، بل باتت تُزيّن بحسب كل مناسبة، ولا سيما في عيد الحب، وشرَح صيداني: «نضع الورود وزينة من قلوب ودبدوب وغيرها من الأشياء التي يطلبها الزبون، إذ كل واحد منهم لديه رؤيته الخاصة، ونحن نقترح عليه بعض الأفكار حتى نصل إلى ما يُرْضيه».
 وماذا عن أغرب طلبات الزبائن؟ عن ذلك أجاب: «نكهات كالتوت والشمام، وعلكة البابل». وعن عدد المحلات المنافِسة له في المنطقة علّق: «على الرغم من العدد الكبير لمحلات دليفري النراجيل، حيث في كل شارع يوجد على الأقل كافيه واحد، إلا أن منافسينا لا يتجاوز عددهم الاثنين، كون تحضير النرجيلة السبيسيال لا يتقنه الجميع».
يستغرق تحضير بعض أنواع النرجيلة «السبيسيال» نحو نصف ساعة بل أكثر، ما يطرح السؤال لماذا لا يقتصر طلب الزبون على النرجيلة العادية، وما داعي كل هذه الأنواع من الفواكه؟ عن ذلك شرح: «عدا عن طعْمها اللذيذ وإمكان التدخين بها لمدة أطول، يتفاخر الزبون بالتقاط صورة لها وعرْضها على مواقع التواصل الاجتماعي».
على بُعد أمتار من كافيه صيداني، فتح عمر مقهى قبل شهرين. هو لا يزال جديداً على «المهنة»، ومع هذا لم يجد، كما قال، غيرها أمامه في ظلّ ضيق الحال وعدم وجود فرص عمل، مشيراً إلى أن «محال الدليفري تفتح أبوابها منذ الصباح الباكر وتستمرّ حتى الساعات الأولى من الفجر. أما طلبات الزبائن، فيبدأ عددها بالارتفاع بعد الظهر، وتصل ذروتها في المساء، ولا سيما يومي السبت والأحد»، شارحاً «بالنسبة إليّ، أقدّم النرجيلة العادية، وبرؤوس الفواكه من دون التفنّن بإعدادها، وما يميّزني عن غيري النظافة التي أوليها أهمية كبيرة».
 وعن أكثر أنواع المعسّل مبيعاً، أجاب: «التفاحتين كونه (بيعبّي الراس)، والحامض والنعناع لأنه خفيف، إضافة إلى الكرز والورد».
أثناء حديث عمر، مرّت مايا لطلب نرجيلة. وعند سؤالنا لها عن سبب عدم إعدادها في البيت، أجابت: «الدليفري أسرع وأنظف، فبدل إشعال الفحم وما يترتّب على ذلك من اتساخ الفرن وانتشار رائحة غاز ثاني أوكسيد الكربون، وإعداد رأس النرجيلة وغيره، أختصر الأمر باتصال هاتفي».
 وعن عدد المرات التي تدخّنها في النهار، أجابت: «مرّة وأحياناً اثنتان». وقبل أن نغلق الهاتف معها، كان العامل قد جهّز الطلبية وانطلق على دراجته النارية.
وقبل أن تصعد إلى بيتها في المبنى ذاته، مرّت زبونة على عمر، وطلبتْ منه تجهيز ثلاث نراجيل على حامض ونعناع وإرسالها لها بعد ساعة، كون صديقاتها سيقُمْن بزيارتها. وعند سؤالها لماذا لا تحضّر النرجيلة في منزلها؟ قالت: «لديّ في البيت نرجيلة واحدة ولا أحب أن يشاركني بها أحد، ولستُ بحاجة إلى شراء المزيد، فأصدقائي لا يزورونني بشكل دائم، كما أجد في خدمة الدليفري ما يغنيني عن ذلك، ولا سيما أن السعر مقبول، والنكهة جيدة».
... هذا واقع حال «بيزنس» النرجيلة الدليفري الذي تكبر سوقه باضطراد، وسط «تفسيراتٍ» متعددة لأسباب تعلُّق اللبنانيين بـ«الشيشة» التي باتت متنفّساً في غمرة «جبَل الهموم» المعيشية والاقتصادية التي تقبض عليهم والتي ضيّقتْ اهتماماتهم وهامش «الكيْف» عند قسم كبير منهم إلى حدود «خلّيك بالبيت» و... «نفّخ عليها تنجلي».
ولا يخْلو «عالَم النرجيلة» وتَفشّي تدخينها من عاملٍ «خفي» يَحْضر في تحذيرات لجمعيات تُعنى بالسجون والإدمان من استدراج فئات مختلفة عبر «الشيشة والحشيشة» إلى «فخّ» المخدرات، وهو ما يتنبّه له العامِلون في هذه «الصناعة» الذين ينفون تلقّيهم «طلبات ملغومة» ويتصرّفون على طريقة «ابعد عن الشرّ وغنّي له».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي