تأسست منظمة عصبة الأمم في العام 1919، كأوّل منظمة أمن دولي، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وكان هدفها الرئيس هو الحفاظ على السلام العالمي، ومنع تكرار حروب مدمرة، من خلال تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية، من قبيل المفاوضات المباشرة والتحكيم الدولي. ولكنها فشلت في منع وقوع الحرب العالمية الثانية، لأنها فقدت مكانتها الأممية، بسبب تمرد أعضائها عليها. لذلك في العام 1945، فور انتهاء الحرب العالمية الثانية، استبدلت عصبة الأمم بمنظمة الأمم المتحدة، كبديل أكفأ في حفظ السلام العالمي. حيث جاء في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة «نحن شعوب الأمم المتحدة، وقد آلينا على أنفسنا، أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب، التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف». واليوم، تضم الأمم المتحدة تقريبا جميع دول العالم المستقلة، وتحديدا 193 دولة، في حين أن عدد الدول التي كانت تنتمي إلى عصبة الأمم لم يتجاوز 58 دولة.
بالرغم من نجاح منظمة الأمم المتحدة في العديد من الملفات، وأكثرها أهمية تلك المرتبطة بالسلم والأمن الدوليين، والأبرز من بينها ملف تحرير الكويت، إلا أنها في السنوات الأخيرة، باتت تعاني من هشاشة متفاقمة، بسبب ما تتعرض له من تهميش صريح من قبل بعض أعضائها الكبار، وبسبب ما يصيبها من تشكيك في مصداقيتها من قبل معظم أعضائها، إن لم يكن جميعهم. المراد أن المنظمة تعاني اليوم من حالة ضعف ووهن خطيرة، جعلتها عاجزة عن منع ووقف الحروب والصراعات المسلحة غير العالمية. ولا يستبعد أن تفقد مستقبلا قدرتها على منع حرب عالمية أو نووية.
لا شك أن المنظمة يشوب سجلها العديد من حالات الفساد، كالانحياز في مرحلتي إصدار وتنفيذ القرارات. إلا أن هذه الحقيقة لم تكن يوما مبررا كافيا لانسحاب الأعضاء المتضررين من فساد المنظمة. حتى الدول التي تعرضت للحصار الأممي والمقاطعة الاقتصادية، لم تهدد يوما بالانسحاب من المنظمة، واكتفت بالتنديد بالحصار وبالمنظمة ذاتها.
فعلى سبيل المثال، فرض مجلس الأمن الدولي أربع مجموعات من العقوبات الموسعة ضد إيران على خلفية ملفها النووي. وشملت هذه العقوبات الأممية تدابير ضد بعض بنوكها، وقيودا مالية ومنعا لسفر أفراد وشركات إيرانية، وحظرا على ارسال تكنولوجيات متطورة إليها. هذه العقوبات القاسية تعاطت معها إيران بديبلوماسية ذكية طويلة الأمد، انتهت بتوقيع اتفاق لوزان النووي في العام 2015، الذي صادق عليه مجلس الأمن الدولي، بالإجماع في العام نفسه.
خلال فترة العقوبات التي امتدت 10 سنوات، لم تهدد إيران بالانسحاب من المنظمة أو من المؤسسات التي تشرف عليها المنظمة، كالوكالة الدولية للطاقة الذرية. بل إنها زادت ارتباطا والتصاقا بالمنظمة، حيث قدمت شكوى إلى مجلس الأمن ضد أميركا على خلفية العقوبات التي فرضتها الأخيرة عليها. كما أنها رفعت قبل ما يزيد على الشهر، دعوى قضائية ضد أميركا أيضا، لدى محكمة العدل الدولية، وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة، بدعوى أن العقوبات الأميركية الأخيرة ضد إيران تمثل خرقا لمعاهدة مبرمة بين البلدين في العام 1955.
الشاهد أن الدول التي تمتلك خبرات وقدرات عسكرية ضخمة، مثل إيران، تلجأ إلى الأمم المتحدة ومؤسساتها لكي تنصفها، ولتعزز مواقفها الديبلوماسية، وإن كانت - في ذات الوقت - تشتكي من فساد وانحياز ذات المنظمة. فالأولى لنا نحن الكويتيين، كدولة صغيرة في مساحتها، محاطة بثلاث دول كبيرة متنافسة، أن نكون أشد حرصا على تعزيز علاقتنا وارتباطنا بالمنظمة، وعلى ترسيخ مكانتها الأممية.
لذلك، أناشد الأفراد والجهات الكويتية، التي اعتادت على تسليط الضوء على مظاهر وصور الفساد الكثيرة في المنظمة، أن تراعي الدور الحيوي للمنظمة تجاه بلدنا الكويت. لا أدعوهم إلى تجاهل فساد المنظمة، بل أدعوهم إلى التعاطي الإيجابي مع فسادها، بمنهجية إصلاحية تدعم استقلاليتها ونزاهتها وسلطاتها، وتعظم فاعليتها ومكانتها العالمية، عوضا عن الاكتفاء بتشويه صورتها.
إصلاح المنظمة ومؤسساتها مسألة في غاية الأهمية، ولكن مشواره طويل وصعب، لأسباب عدة، منها ما هو مرتبط بالمنظمة كافتقادها للاستقلالية المالية، ومنها ما هو مرتبط بالدول الأعضاء، كالاختلاف الشاسع بين رؤاهم المستقبلية للمنظمة ومؤسساتها، بالأخص الجزئية المرتبطة بمفهوم السيادة الوطنية للدول. فهل سوف ننجح في إصلاحها؟ أم سنواصل هدمها. «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
abdnakhi@yahoo.com