كثير من المسرات والنجاحات هو بسبب علاقاتنا مع بعضنا، كما أن كثيراً من إخفاقاتنا وألوان شقائنا هو بسبب إخفاقنا في فهمنا لبعضنا وفي سوء علاقاتنا، وأحيانا تصدر تصرفات طائشة من أشخاص ناضجين، وعلى درجة عالية من الثقافة مع تقدمهم في السن، وهنا في أحيان غير قليلة نجد أنفسنا حائرين في اتخاذ الموقف المناسب تجاه قضية أو حادثةٍ ما مع كثرة ما واجهنا من قضايا وحوادث.
كل ما تقدم فهو يرجع إلى تعقيد التركيب الإنساني على المستوى الروحي والعقلي والنفسي والجسمي، وعلى مستوى العلاقات التي يتم تبادلها بين هذه الجوانب، كما أن العلاقات التي يقيمها الناس مع بعضهم في الأسرة والمدرسة والمسجد وأمكنة العمل والشارع، تكون في غاية التعقيد وإدارتها وتطويرها، وترميم ما انهدم منها من الأمور المرهقة لبني آدم، والظواهر الإنسانية من نحو الاختلاف وحب المال والنزوع إلى التوسع وطول الأمل... هذه الظواهر تتميز بالحركة والتغير والتكرار، وقياس حجمها والعوامل المؤثرة في نشوئها من أعقد الأمور.
إن معاناة الناس في التعامل مع الشأن الإنساني تتجلى في العديد من الأمور منها... صعوبة فهم الشأن والموقف الإنساني وصعوبة تحليله وتفكيكه، كما أن صعوبة فهم الأسباب والجذور للظاهرة الإنسانية، وصعوبة تخمين النتائج والتداعيات المترتبة على قرار أو موقف إنساني، ومن أصعبها التعامل مع الناس وإيجاد توازن جيد في العلاقات معهم.
لتفادي كل الصعوبات وإقامة علاقات إنسانية متوافقة ومنسجمة، يجب من البداية وقبل إقامة أي علاقة في الأسرة والمدرسة والمسجد وأمكنة العمل و الشارع، أن نرضى بفهم ناقص للظواهر الإنسانية، ونرضى بموضوعية غير كاملة في كل أحكامنا على سلوك البشر، وهذا يجعلنا نتواضع ونجتهد في اتجاه فهم أدق وأكثر شفافية، وحين نحاول فهم السلوك الإنساني، فإن من المهم أن ندرك أن الناس لا يلتزمون بالقوانين، بل إنهم أحياناً يستمتعون بالخروج عليها، وتارة يؤمنون بها لكنهم يخالفونها نكاية بمن وضعها أو بمن يقوم على تنفيذها وإن كانت هذه القوانين داخل الأسرة أو المدرسة أو المسجد أو أو أو...، كما أن الواقع الاجتماعي ليس مطابقاً لعقائد الناس والمبادئ التي يؤمنون بها، بل إن السلوك الإنساني لا يخضع دائماً للمنطق والتفكير المنهجي بسبب فوران العاطفة وتسلط الشهوة وغبش الرؤية، وهذا كله يجعلنا نحاول النفاذ إلى الأعماق وإلى ما خلف الديباجات والعناوين العريضة، نحن نرتبك في فهم وتحليل الظواهر الإنسانية أشد من ارتباكنا في فهم ظاهرة صغيرة، ومن هنا علينا حين نريد فهم ظواهر أو قضايا أو مواقف إنسانية معينة أن نقسمها ونفككها إلى أصغر وحدات ممكنة، ثم نقوم بدراسة كل وحدة على حدة، وبعد ذلك ندمج ما نتوصل إليه في رؤية واحدة لنقيم علاقات ناجحة تسهل علينا الصعوبات، وتخفف من معاناتنا في التعامل مع الشأن الإنساني.
[email protected]mona_alwohaib@