رمضان بعيون ديبلوماسية / «لرمضان مظاهر وطقوس في بلادي تغاير بقية العالم الإسلامي»

زبيدالله زبيدوف لـ «الراي»: الطبخ فنٌّ تنفرد به... طاجيكستان

تصغير
تكبير
  • في طاجيكستان  لا يستطيع الشخص  قراءة القرآن  وخَتمه بمفرده 
  • غالبية الطاجيكيين  يُخلدون إلى النوم  عند الـ 11 مساء  ويستيقظون وقت السحور

رمضان له ألف وجه!
فهو احتفالية روحانية سامية تطوف كل بلدان العالم الإسلامي المترامي الأطراف، وكلما حط رمضان رحاله في بلد امتزجت ملامحه الأصيلة والراسخة بعادات هذا البلد وتقاليد شعبه... ومن هنا صار الشهر الفضيل نافذة مفتوحة على مروحة الثقافات الإسلامية المتباينة في تفاعلها العميق مع جغرافيا الشعوب والمجتمعات في العالم الإسلامي.
«الراي» سعت، بمناسبة الشهر الفضيل، إلى الحديث مع سفراء دول متماسة مع الإسلام والمسلمين في الكويت، وسألتهم عن «رمضان في عيونهم»، وكيف تختلف مظاهره من بلد إلى آخر، ويوحد بين شعوبها في وقت معاً، وكيف تسهم «ثقافة رمضان» في تعزيز التسامح والتعايش العالميين؟ وكيف يرون خصوصية هذا الشهر العظيم في الكويت؟



هنأ السفير الطاجيكي لدى البلاد د. زبيدالله زبيدوف الكويت قيادة وحكومةً وشعباً، بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، سائلاً الله عز وجل «أن يعيده على العالم الإسلامي قاطبةً بموفور الصحة والعافية والسداد، وعلى بلدينا الصديقين والأمتين الإسلامية والعربية بالخير واليُمن والبركات»، ومتمنياً أن يديم على الكويت الحبيبة وشعبها الوفي نعمة الأمن والأمان مع المزيد من التقدم والرقي والازدهار.
وأضاف زبيدوف «أن شهر رمضان يأتي كل عام ليُذكِّرَ مسلمي طاجيكستان بعظمة تاريخهم وإسهامات علمائهم، فيسعَدون بحلوله ويستعِدّون لاستغلال أوقاته المباركة في العبادة وزيادة التقرّب إلى الله»، موضحاً «أن مسلمي طاجيكستان يرون في الشهر الفضيل فرصةً لتعزيز الثقافة الدينية، وبمجرد الإعلان عن ابتدائه فإنّهم يُشمّرون عن أياديهم مُعلنين بذلك فرحَتهم بقدوم هذا الشهر الفضيل الذي تتآلف فيه القلوب، ويتقارب فيه الجميع ويتقربون إلى الله. ويحرصون خلاله على التهجد والقيام والإكثار من الطاعات، فهناك مساجد تختتم القرآن في صلاة التراويح في ثلاثة أيام، وبعضها في أسبوع وبعضها في شهر كأغلب المساجد».
وأشار إلى أن للمائدة الرمضانية نفساً خاصاً في طاجيكستان، فالطبخ فنٌّ من الفنون التي ينفرد بها هذا البلد، وتعكس جانباً من هويّته الثقافية، كما يعكسُ نبضُ الحياة في الشوارع والأسواق فرحةَ واستعدادَ مسلمي طاجيكستان لاستقبال الشهر الكريم وتشتهر طاجيكستان بأطباق وعادات غذائيّة عديدة خلال الشهر الفضيل، حيث تتنوع المائدة الطاجيكستانية في رمضان، ويسودها «أوش بالوف» وهو الطبق الرئيسي على الفطور في أول يوم في رمضان، ويتكون هذا الطبق التقليدي من الأرز واللحم ويُطهى على البخار أي ما يعرف بالأرز البخاري. ومن الضروري وجود هذا الطبق على المائدة طوال الشهر الكريم، وفي أوقات العزائم وإعداد ولائم للضيوف.
وتعتبر وجبة الإفطار مع بساطتها مناسبة اجتماعية مفعمة بالوئام والإيمان، تكاد بعض الأسر لا تجتمع إلا عليها طوال العام، ويُدعى إليها الأصدقاء والأقارب والجيران. وتبدأ النساء في وقت مبكر من النهار بإعداد الطعام للإفطار والعشاء، ففي الإفطار يتم تناول مشروب المشمش، بالإضافة إلى بعض الأطعمة الخفيفة. أما العشاء الذي نتناوله بعد أداء صلاة التراويح، فيكون دسماً ويتميز بكثرة ما يوضع به من اللحوم.
ولفت زبيدوف إلى أن لرمضان مظاهر وطقوساً في طاجيكستان تختلف عن بقية الدول الإسلامية والعربية، والإسلام هو الديانة الأكثر انتشاراً في طاجيكستان، إذ يشكل السنّة 98 في المئة من المسلمين، ومثل كثير من الدول العربية يترقب الناس قدوم هذا الشهر الفضيل بفيض من الشوق والاستعداد، ويدخرون له ما طاب من المحاصيل الزراعية كالأرز منذ وقت مبكر، وقبيل حلول الشهر الكريم، بالإضافة إلى اللحوم... فالمائدة الطاجيكية لا تخلو من اللحم.
وأضاف أن رمضان في طاجيكستان له من الخصوصيات التي ينفرد بها ما يُميّزه عن بقية شهور السنة، فعلى سبيل المثال: العاصمة دوشنبه، تلك المدينة الجميلة بأشجارها الباسقة التي تُرحّب بك في كلّ شارعٍ من شوارعها، تضجّ بالحركة والحيوية وتمتلئ بالمارّة والباعة الذين يفترشون الأرصفة لعرض مأكولات وبضائع متنوّعة؛ فهذا يبيعُ خبزاً طازجاً أعدّه في تنّوره الخاص في البيت على الطريقة الطاجيكية، وهذا يبيع حلوى رمضانية وأطباقا شعبية، وغيرُهما يبيعُ مسابح وسجاجيد الصلاة ومطبوعات بمواقيت الصلاة والإمساك والإفطار.
وتابع قائلاً: «منذ لحظات ترقب الهلال الأولى، يبدأ الطاجيكيون في مختلف المدن بالتحضير للشهر الفضيل من التبضع للحاجيات والأمور الضرورية، وصولاً إلى استعدادات المساجد التي لا بد من التوقف عند أحد أبرز رموزها. فما يميز طاجيكستان عن بقية الدول هو مساجدها الجميلة»، مكملاً: «هناك قرابة أربعة آلاف مسجد. وتتحضر هذه المساجد لاستقبال الشهر الكريم بافتراش أرضيتها بالسجاد الجديد، ويبرع الميسورون في تجهيز المساجد، لتكون في أجمل وأبهى حلة. ففي الشهر الكريم تعمر هذه المساجد بضيوف الرحمن للصلاة وتلاوة القرآن، وهنالك حلقات ذكر تقام للرجال في المساجد وللنساء في المنازل لتلاوة القرآن وختمته، ففي طاجيكستان لا يستطيع الشخص قراءة القرآن وختمته بمفرده».
 ومضى زبيدوف يقول: «لا تكاد تحلّ العشرة الأواخر من شهر رمضان حتى تجد المساجد الجامعة ومساجد المحلات ومراكز إقامة صلاة الجمعة على امتداد البلاد قد امتلأت بالمصلين الذين يُحيون الليل إلى الفجر بالقيام والدعاء وتلاوة القرآن. وتُعدّ ليالي القدر أو ليالي الإحياء الأخيرة كما يُسميها الطاجيك، أوقاتاً قيّمةً يسعون خلالها إلى الاغتراف من بركات هذا الشهر قبل أنْ يودّعوه وتنتهي أيامه».
أمّا الليالي الرمضانية فقال زبيدوف: «إنّها أوقات فرحٍ وسرورٍ يعيشُها أطفال طاجيكستان كلّ عام، حيث يتجمّعون للتجوالِ بين بيوت الجيران والطَرْقِ على أبوابها، وفي يد كلٍّ منهم كيس كبير لجمع الهدايا، مُنشدينَ بصوتٍ واحد: (حان شهر رمضان بإذن الله، يا صاحب البيت شهر رمضان مبارك، فأخرج لنا هدايانا). ويرتدون حينها الأزياء الشعبية المُفعمة بالألوان والمطرّزة بالخيوط الذهبية».
 زبيدوف تابع: «لكلّ منطقةٍ في طاجيكستان أزياؤها الشعبية الخاصة التي يسعد السكان بارتدائها، لأنها تُعبّر عن هويّةٍ ثقافيةٍ يعتزّون بها. وأكثر ما يُميّز الأزياء الطاجيكية هو طريقة تفصيلها، فهي فضفاضة ومطرّزة بخيوط ذهبية اللون وقماشها عليه رسومات وزخارف ملوّنة بالأزرق والأحمر والأخضر وغيرها من الألوان التي تضجّ بالحياة».
 وتطرق زبيدوف إلى العادات الجميلة التي تميز الكويت وجود الديوانيات والغبقات التي تقام بعد الإفطار، معتبراً أنها «فرصة جيدة لتبادل التهاني والأحاديث، وأيضاً ما يميز الكويت هو ذهاب النساء إلى المساجد لأداء صلاة العشاء والتراويح، أما في طاجيكستان فتقتصر الصلاة في المساجد فقط على الرجال والأطفال».
وزاد: «إن طاجيكستان تختلف عن الكويت في عدم وجود مدفع رمضان للإعلان عن بدء الإفطار، وهو شيء جميل نحرص على مشاهدته مع أبنائي وأحفادي يومياً على شاشة التلفاز، استعداداً لتناول طعام الإفطار».
 وكشف زبيدوف النقاب عن أن تناول التمر من العادات الجميلة في رمضان في الكويت، وأصبحنا نجهزه قبل قدوم رمضان لتناوله بعد الإفطار أسوة بالكويتيين، فهو ليس معروفاً كثيراً عندنا، مواصلاً:»
ومن العادات الغريبة التي أعجبنا بها خلال فترة إقامتنا في الكويت ما يعرف بـ (القرقيعان)، وكيف تكون فرحة الأطفال في هذا اليوم وهم يرتدون الزي الخاص ويجمعون الحلوى. وحقيقة، أحفادي أتوا لقضاء شهر رمضان في الكويت لرؤية (القرقيعان)، والاستمتاع به كبقية الأطفال، إذ لا توجد لدينا مثل هذه العادات».
وختم زبيدوف كلامه بالقول:»من الأمور المميزة في الكويت ممارسة الناس أنشطتهم وأعمالهم بعد الفطور، حيث تعج الشوارع بالناس ويستمرون حتى وقت السحور. أما في طاجيكستان، فأغلبية الناس يُخلدون إلى النوم، حيث تجدهم نائمين عند الساعة الحادية عشرة مساء، ويستيقظون فقط عندما يحين وقت السحور».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي