أحكام الشرع من حلال وحرام لا تعرف بالعقل، ومن اتبع فيها عقله زاغ وضل، وما أحسن قول الإمام علي رضي الله عنه «لو كان الدين بالرأي لكان مسح الخف من اسفله». فإننا أمرنا بالمسح أعلى الخف مع أن الأوساخ إنما تعلق بأسفل الخف، فلو حكمنا العقل لقال المسح أسفل الخف وهذا خلاف الشرع والمسلمون مأمورون باتباع الشرع لقوله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}النحل 43.
وتقديم العقل على الشرع يستلزم القدح في العقل والشرع جميعاً لأن العقل قد شهد بأن الشرع والوحي أعلم منه وأنه لا نسبة له إليه وأن نسبة علوم العقل إلى علوم الوحي كنسبة أقل من ما يشرب الطير من اليم، فلو حكم العقل عليه لكان هذا قدحاً في شهادته، وإذا بطلت شهادته بطل قبول هذه المقولة.
والشرع مأخوذ عن الله بواسطة الرسولين جبريل / محمد عليهما السلام، والرسول هو الواسطة بين الله وبين عباده مؤيداً بالمعجزات وظهور البراهين على ما يوجبه العقل ويقتضيه تارة ويستحسنه تارة ويجوزه تارة ويضعف عن دركه تارة فلا سبيل له إلى الإحاطة به ولا بد له من التسليم له والانقياد لحكمه والإذعان والقبول وهنا يسقط التساؤل (لِمَ) والسؤال (كيف) وتزول (هلا) وتذهب (لو وليت) في الريح، لأن اعتراض المعترض على الشرع مردود من باب التسليم قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} (النور 51). وإذا اقترح الإنسان شيئاً يظنه أولى من الشرع فهذا معناه سفه وخور عقلي.
وجملة أحكام الشريعة مشتملة على أنواع الحكمة علماً وعملاً حتى لو جمعت حِكم جميع الأمم ونسبْتَها لشريعتنا لم يكن لها إليها نسبة فتأمل؟
وقد توسط الإسلام بين طائفتين غلت كل منهما بالعقل، فالأولى رفعت العقل فوق منزلته وقدمته على الشرع مثل المعتزلة والفلاسفة وأهل الكلام، والطائفة الثانية أهملت العقل ولم تلتفت إليه وهم غلاة الصوفية والزنادقة.
وأما السائرون على الكتاب والسنة، فقد كانوا يأخذون بالنظر العقلي حيث أمرت الشريعة بالنظر والاستدلال بالكون.
يقول ابن تيمية: «مسلك الاستدلال للإمام أحمد هو مسلك الاستدلال بالفطرة والأقيسة العقلية الصحيحة المتضمنة للأولى»
حدود العقل في الإسلام:
تقديم النقل على العقل إذا ظهر التعارض.
والعقل لا يستقل بنفسه بمعرفة الحلال والحرام
والنظر الذي أمر الله به في الشرع كافٍ للوصول للمقصود إذا خالف طرائق أهل السفسطة والكلام، والعلماء ينكرون على أهل الكلام حصرهم المعرفة اليقينة بطرائقهم العقلية وتجهيلهم من لم يعرفها وتكفيره بجهله بها!
العلم والتقنيات الحديثة هي من سُبل القوة والنصر والتمكين بعد الامتثال للشرع وتحكيمه في الواقع، وهذه الصناعات الثقيلة والدقيقة ابتلاء من الله تعالى ليعلم من ينصره ورسله بالغيب قال تعالى {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} الحديد 25.
والكفار حازوا الآلة والصناعة وأعجبوا بها وقد أعمى الله أبصارهم فلم يعتبروا بهذه الآيات بل صرفوها بغير طاعة الله تعالى وأصبحت سبيلهم إلى ظلم غيرهم والتعدي على حقوقهم وأموالهم وأرضهم، فكانت النتيجة شقاء البشرية كالحرب العالمية الأولى والثانية والحروب الباردة وآخرها ثورات الربيع حيث أديرت من قبل الكفار ولا يوجد سلاح تم استخدامه في هذه البلاد إلا وقد تم تصنيعه وبيعه من الكفار للمسلمين ليقتل بعضهم بعضاً... فأين العقول؟
dr.aljeeran2017@gmail.com