No Script

نعم... هناك قضيّة في لبنان

تصغير
تكبير

يتجاوز الموضوع نعي «حركة الرابع عشر من آذار» التي تبقى المبادئ التي وضعتها ثوابت لبنانية، لا مفرّ من العودة إليها بعيداً عن لعبتي المزايدة والانتهازية اللتين ليس الوقت وقتهما.
تجمع هذه المبادئ بين كلّ الشرفاء الذين ردّوا على اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في 14 فبراير 2005 بأكبر تظاهرة في تاريخ الجمهورية اللبنانية. كان الذين شاركوا في التظاهرة، تظاهرة 14 مارس 2005 من كل الطوائف والمذاهب والمناطق والطبقات الاجتماعية، كانوا بالفعل من كلّ لبنان ولا يزالون ضمير لبنان.
أخرجت هذه التظاهرة الجيش السوري من لبنان، لكنها لم تستطع الحؤول دون بروز الوصاية الايرانية على سطح الأحداث، كما لو أنّ على الشعب اللبناني متابعة مقاومته من أجل استعادة الدولة ومؤسساتها بعدما استطاع الايراني عبر «حزب الله»، الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري»، ملء الفراغ الأمني الذي تركه النظام السوري.


يسعى الايراني الآن إلى استكمال ملء الفراغ السياسي. بدأ في ذلك بافتعال حرب صيف العام 2006 التي انتهت بانتصار على لبنان ساهمت فيه إسرائيل إلى حدّ كبير. بعد انتهاء الحرب وصدور القرار 1701 عن مجلس الأمن، رفع «حزب الله» علامة النصرـ فيما حصلت إسرائيل، بفضل القرار الاممي، على ما تريد. حصلت على ما تريد بعد إلحاقها أضراراً ضخمة بالبنية التحتية اللبنانية في وقت كان البلد يعج بآلاف السياح من الإخوة العرب، خصوصاً أهل الخليج. كان انتصار «حزب الله» على لبنان واللبنانيين وهو يعمل جاهداً اليوم الى تحقيق مزيد من الانتصارات إنْ في لبنان أو في سورية.
من هذا المنطلق، ليس مطلوباً بأي شكل الغرق في تفاصيل صغيرة وحتّى كبيرة، على الرغم من أهمّيتها ورمزيتها، من نوع من حضر في الذكرى الـ13 لاغتيال الحريري بمقدار ما أن المطلوب خوض الانتخابات النيابية تحت عنوان كبير هو ثقافة الحياة في مواجهة ثقافة الموت. تعني ثقافة الحياة ان هناك قضية لا مفرّ من الدفاع عنها. يختزل القضية سعد الحريري الذي أعلن صراحة ان «لا تحالف مع حزب الله ولا قوقعة مذهبية او طائفية».
ستكون الانتخابات المقبلة في السادس من مايو، أي بعد شهرين تقريباً، جولة جديدة في معركة الدفاع عن النفس التي يخوضها لبنان من أجل تأكيد أنّه ما زال ينتمي الى ثقافة الحياة وانّه لا يزال موجوداً. كلّ ما في الأمر أنّ لدى لبنان قضيّة كبيرة. هذه القضيّة تحتاج في أحيان كثيرة إلى تقديم تضحيات مؤلمة، بل مؤلمة جدّاً. لا يستطيع ذلك إلّا رجال كبار من طينة سعد الحريري الذي يعرف تماماً من قتل والده. دفع رفيق الحريري قبل أيّ شيء آخر ثمن إعادة الحياة إلى بيروت ولبنان وإعادة البلد الى خريطة الشرق الاوسط. هذا ما يُفترض أن يبقى في البال دائماً.
هناك وضع إقليمي في غاية التعقيد. لا يستطيع لبنان عزل نفسه عن هذا الوضع، خصوصاً في ظلّ ما يجري في سورية حيث شعب بكامله يتعرّض لحرب يشارك فيها «حزب الله» من منطلق مذهبي استرضاء لإيران. في الوقت ذاته، على لبنان السعي إلى إثبات أنّه لا تزال فيه بقايا مؤسسات وليس مجرّد دويلة تابعة لدولة «حزب الله»، أي لإيران.
إذا كان من خلاصة يمكن استنتاجها من الخطاب الأخير للامين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصرالله، الذي اعتبر أن لدى حزبه ما يسمح له بتهديد إسرائيل، فهذه الخلاصة تتمثّل في أنّه بات للبنان «مرشد» على غرار إيران وأنّ لا شيء يتحرّك فيه من دون هذا «المرشد» الذي يحدد ما إذا كان في استطاعة لبنان الاستفادة من الوساطة الاميركية في شأن البلوك الرقم 9 في جنوب لبنان أم أن ذلك محظور عليه.
هناك غاز مكتشف في هذا البلوك الذي تدّعي إسرائيل أنّه ليس لبنانياً مئة في المئة. هناك عرض أميركي يقضي باقتسام الغاز. لا يمكن الردّ على هذا العرض بتهديدات يطلقها نصرالله يمكن أن تجلب كارثة أخرى على لبنان، بل ذلك يكون بحجج قانونية تقدّم للمراجع الدولية المختصة. مثل هذا الأسلوب في التعاطي مع قضيّة مثل البلوك 9 يوفّر على لبنان الكثير من المشاكل ويسمح له بالاستفادة من الغاز المكتشف يوما بدل بقاء البلد رهينة في يد «حزب الله» وسلاحه غير الشرعي. يشكّل هذا السلاح لبّ المشكلة وعقدة العقد، تماماً كما كانت عليه الحال مع السلاح الفلسطيني بعدما وقّع لبنان اتفاق القاهرة المشؤوم مع منظمة التحرير في العام 1969.
نعم، هناك قضيّة يخوض سعد الحريري و«تيار المستقبل» الانتخابات في ظلّها. هذه الانتخابات ستكون مصيرية، خصوصاً أن القانون الذي تجري على أساسه وُضع على قياس «حزب الله» الذي استطاع تحويل الأكثرية في الطائفة الشيعية إلى غالبية منغلقة على نفسها. مصيرية هذه الانتخابات تفسّر تشديد رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية نهاد المشنوق على أهمّية كلّ صوت.
أقدم الحريري على خيارات صعبة ومكلفة في الوقت ذاته. يجب الاعتراف بأنّه قدّم تنازلات. لا يزال مطروحاً إلى اليوم هل لبنان أفضل بوجود رئيس للجمهورية ام لا؟ هل يوجد بديل من الحكومة الحالية التي يتمثّل فيها «حزب الله» المصرّ على هذا التمثيل منذ الخروج السوري من لبنان؟
ليس أصعب من التعاطي مع حزب مسلّح ينادي بثقافة الموت وعلى استعداد في الوقت ذاته للتضحية بلبنان من أجل إيران. كيف تكون معالجة مثل هذا الوضع؟ هل يمكن أن يكون ذلك بالانسحاب والتراجع وتكريس الفراغ في المؤسسات... أم يكون بالدفاع عن آخر معاقل الدولة؟
المضحك المبكي، هذه الأيّام، أن هناك أحزاباً تدعي تمثيل المجتمع المدني تريد خوض الانتخابات وتجاهل وجود سلاح «حزب الله» في الوقت ذاته. هناك في المقابل من يريد المزايدة في موضوع سلاح الحزب الذي يبني كلّ سياساته على نشر البؤس واليأس في لبنان والاستثمار في اثارة الغرائز المذهبية.
بعض التعقّل يبدو ضرورياً في هذين الشهرين اللذين يسبقان الانتخابات. التعقّل يعني أوّل ما يعني تفادي طلب المستحيل. كان كافياً أن يستقبل رئيس مجلس الوزراء اللبناني وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون في السراي بالطريقة التي استقبله فيها لتأكيد أن لبنان لا يزال موجوداً وأنّه لا تزال لديه قضيّة. مرّة أخرى، هذه القضيّة هي بكلّ بساطة سلاح «حزب الله»، وهو سلاح إيراني أوّلاً وأخيراً. هذه القضيّة هي أيضاً الدفاع عن ثقافة الحياة في مواجهة ثقافة الموت. هذه القضيّة هي في النهاية الحسم بأنّ «لا تحالف» مع «حزب الله» في الانتخابات المقبلة ولا بيع «بضاعة مغشوشة للعرب». القضيّة تختصرها كلمة واحدة هي لبنان الذي هو قضيّة سعد الحريري.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي