اختتمت عروض مهرجان «الكويت للمسرح الأكاديمي»
«أقفاص»... عندما يتحوّل الإنسان إلى آلة!
مشهد من «أقفاص»
جانب من الندوة التطبيقية
«عندما لا يجد الإنسان تقديراً نظير إخلاصه وتفانيه في العمل، فإنه سيعيش صراعاً نفسياً مريراً داخل أقفاص الروح»!
هذا مضمون مسرحية «أقفاص» التي اختتمت أول من أمس العروض الرسمية المتنافسة على جوائز الدورة الثامنة من مهرجان الكويت الدولي للمسرح الأكاديمي ، الذي نظمه المعهد العالي للفنون المسرحية في الفترة من 7 ولغاية 13 من الشهر الجاري.
مسرحية «أقفاص» عن نص «الآلة الحاسبة» للكاتب لالمر رايس، إعداد وإخراج فرح الحجلي، ومن تمثيل كل من محمد أكبر، محمد الأنصاري، عدنان بلعيس، أريج العطا، محمد ملك، نورهان طالب، محمد المنصوري، إسماعيل كمال، علي المهيني، مهدي هيثم وعلي سامر، في حين تولى الديكور عبدالله الشواف والإضاءة حسين الحداد والأزياء شهد الدخيل والماكياج لين الأطرش.
تدور أحداث المسرحية حول «صفر»، الشخصية الرئيسيّة المحركة للأحداث، والذي أفنى سنوات عمره في عمله ملتزماً بأداء واجبه على أكمل وجه، قبل أن يتفاجأ برئيسه في العمل يفصله ويستبدله بآلة حاسبة حقيقية.
كان هذا القرار السبب الذي فجّر غضبه ودفعه إلى ارتكاب جريمة قتل مديره، من دون أن تكون له أدنى قدرة على تغيير مصيره، فيقبع في السجن عدد من السنين يطارد أحلامه البائسة، إلى أن يأتيه العفو وقد انحنى ظهره وضاع عمره.
وبمقارنة بسيطة بين ما كتبه رايس وما أعدته المخرجة فرح، نجد أنها تخلت عن الخط الذي سار عليه الكاتب الأميركي الذي استعرض حياة «مستر زيرو» بالتوازي مع مرحلة ما بعد مماته، وهو في الحالين لا يقدم ككائن بشري وإنما كآلة، رمز له الكاتب بالرقم صفر للتعبير عن نظرة المجتمع الدونية له، ونتعرف من خلال سير الأحداث كيف تسلب الآلة الإنسان كرامته وحياته. بينما اشتغلت المخرجة فرح في نصها المعد على خط زمني واحد، بدأ من صدامه مع مديره، مروراً بجريمة القتل، وصولاً إلى مرحلة السجن، وهو المبرر الذي لجأت إليه المخرجة الشابة لتغير اسم العمل إلى «أقفاص» وهناك خلف القضبان الرمزية يتخلص «صفر» من حياته ليتحول إلى آلة.
على مستوى الرؤية الإخراجية، نجحت المخرجة فرح الحجلي في الاشتغال على عنصر التمثيل، فجاء أداء الممثلين متزناً، وانسجم بطل العمل أكبر مع شباب التعبير الأربعة، الذين أحاطوه طوال العرض ليقدموا بأجسادهم وتحركاتهم تشكيلات بديلة عن الديكور، فكانوا قضبان السجن. كما استغلوا العصي التي بين أيديهم لتصبح مكتباً تارة، وأداة للجلد تارة أخرى، وكان لوجودهم طوال العرض الفضل في الحفاظ على الإيقاع وعدم الانزلاق إلى الملل، في حين كانت الديكورات بسيطة ما سهّل حركة الممثلين على المسرح.
ندوة تطبيقية
أعقبت العرض، ندوة تطبيقية أدارها الطالب جراح الهيفي، بحضور مخرجة وأبطال المسرحية، في حين عقّبت عليها الطالبة فجر صباح من الفرقة الرابعة (نقد)، التي أوضحت أن فكرة المسرحية تدور حول الموظف المثالي «صفر» الذي قضى 25 عاماً من عمره مخلصاً في عمله، لكنه لم يلق نظير ذلك أي ترقية أو مكافأة، من جانب رب عمله «شريد لو» على ما قدمه من جهد خلال ربع قرن من العمل الدؤوب، لافتةً إلى أن «صفر» أجاد بكل اقتدار التعبير في الملامح، كما استطاع التلوّن في الأداء أكثر من مرة.
صباح استدركت قائلة: «لكن هناك ملاحظات على العرض، من بينها تناقض حركة المجاميع في بادئ الأمر، غير أن بقع الإضاءة تم توظيفها بالشكل الصحيح، في حين أن بعض القطع في الديكور لم تتغير». وأكملت: «أما الموسيقى والمؤثرات الصوتية، فقد تماشت إلى حد كبير مع إحساس الشخصية، التي كانت تعيش صراعاً نفسياً مريراً».
بدوره، لم يُخفِ الدكتور أيمن الخشاب إعجابه الشديد بالعرض، قائلاً: «من الواضح جداً وعي المخرجة فرح الحجلي في تفسيرها للنص المسرحي، الذي ينتمي إلى المدرسة التعبيرية، والتي من شأنها الإضاءة على ما يدور في أغوار النفس البشرية».
ونوّه الخشاب أن ما كان يشعر به «صفر» هو السجن الذي يقبع فيه، أو الأقفاص التي يسكن داخلها، سواء في المنزل أو في العمل، وتجلى ذلك عندما أمسكت زوجته بالعصا لتمارس عليه القهر والنكد، إلى جانب اضطهاده من رب عمله.
على صعيد السينوغرافيا، قال الخشاب: «بدت المؤثرات الصوتية نابعة من إحساس الممثل، لاسيما في ما يتعلق بصوت الماكينة، وهو تصوير لحالة الممثل الذي عمل مثل الآلة على مدى سنوات عمره، ولم يحظ بالمقابل على نصيبه»، مشدداً على أن مستوى العروض هذا العام كان عالياً جداً، بل إن مخرجات المعهد المسرحي في دورته الثامنة ستكون من أفضل الطاقات، وفقاً لكلامه.