رواق

أصغر منك بيوم أعلم منك بسنة

تصغير
تكبير

كلما أعلنت شركات الهواتف الذكية عن إصدارات جديدة، كلما تهافت الناس عليها وهم على ثقة وقناعة بأن الجديد أفضل من الذي كان قبله. هؤلاء الناس يستبدلون هواتفهم الذكية ويتمسكون بعلاقاتهم غير الذكية مع أبناء جيلهم غير منفتحين على الأجيال التي لحقتهم محتكرين الأفضلية لهم.
يرددون «أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة» وهم يضيعون في رحاب أدوات ضبط الهواتف ويستنجدون بالذين أصغر منهم، وهم الأعلم يا سبحان الله.
يتمسكون بمثل أثبت انتهاء صلاحيته وفساده بالتقادم عندما دارت الأرض كامل استدارتها، فانقلب المثل على القائل ليصبح أصغر منك بيوم أعلم منك بسنة.


هذا الجيل أفضل من الذي قبله، والذي قبله أفضل من الذي قبله، ومهما تفاوتت تربية الأسر، صار الإنترنت بديلها الاستراتيجي، فأحسن تربيتهم أحسن من أسرهم لأنهم ليسوا أبناءهم، بل أبناء الحياة على ما قال جبران.
ويعترض المعترضون ويهاجم المهاجمون وينتقد المنتقدون للمستوى الثقافي لهذا الجيل أو ذاك، عن أي ثقافة يتكلمون؟ ثقافة معرفة عواصم الدول أو حفظ أبيات الشعر؟ بات يتكفل العم «غوغل» بتلقينها لهم من دون حاجة إلى شغل خلايا الذاكرة المزدحمة بالذكريات للأجيال التي سبقتهم.
الثقافة الحقيقية هي ثقافتهم التي نفتقر إليها... ثقافة التعدد وقبول الآخر واحترامه وعدم احتكار الحقيقة وعدم هدر الوقت مع من يختلف معهم لأنهم ليسوا معه ولا في عالمه أصلاً. هم في عالم الإنترنت الذي جعل عقولهم في أماكن أخرى ورؤسهم تهتز بالتأييد للأفكار الغبية، لأنهم ليسوا أغبياء لدرجة أن يهدروا وقتهم الثمين في إقناع من لا يقتنع، فهم يدعونه يقول ما يريد وهم يفعلون ما يريدون.
«جيل الطيبين» جملة كوميدية غير ذكية تتردد لوصف الكبار لأنفسهم عند الذين أصغر منهم، وهم على علم ودراية أن العيب فيهم و«مش» في الأجيال. ففي كل جيل الطيب والشرير، ولكن طيبة الجملة مرتبطة بتعقيدات الحياة... الحياة قبل الهواتف الذكية وعندما أجبرتنا الحياة على مواكبتها واستخدام الهواتف الذكية لم نغير أفكارنا غير الذكية ورحنا نحدث هواتفنا من دون أن نحدث أفكارنا واستعنا في تحديثها بالذين أصغر منا، ونحن نردد أننا أعلم منهم، فنحن الطيبون، لكنهم أطيب منا.
 reemalmee@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي