لقد أخذ الله تعالى الميثاق على أهل العلم في بيان الأحكام الشرعية وعدم كتمانها «وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتُبَيّنُنَّه للناس ولا تكتمونه...».
ولذلك وجب على أهل العلم بيان الأحكام الشرعية وعدم كتمانها، وأن تكون الفتاوى التي يصدرونها بحسب ما لديهم من أدلة شرعية.
والإفتاء شأنه عظيم لأنه بمثابة التوقيع عن رب العالمين، ومن هنا كان على العالم أن تكون فتواه بما يرضي الخالق عز وجل لا بما يوافق هوى المخلوقين.
ومن أخطر الأمور التي زلت بها أقدام بعض أهل العلم هي «تسييس الفتوى» بحيث تتوافق مع هوى ورغبة أصحاب النفوذ لا مع ما يتوافق مع الأدلة الشرعية.
وقد حذر الله تعالى من الافتراء عليه، بتحليل الحرام أو تحريم الحلال فقال: «ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون».
أتذكر كيف خرجت الفتاوى من بعض المؤسسات الشرعية المصرية التي أباحت الصلح مع اليهود بعد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والتي وقعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات، والتي أعتبرها العرب والمسلمون في ذلك الوقت خيانة عظمى، إلا أن الفتوى جاءت لتتماشى مع ما يريده السادات.
وأتذكر كيف أفتى بعض المشايخ في مصر بجواز الفوائد الربوية، أيام الرئيس حسني مبارك، والتي اعتبروها نوعاً من دعم الاقتصاد الوطني، وتأييداً لبعض الإجراءات الربوية التي اتخذتها الدولة في ذلك الوقت!
ولعلنا لا ننسى بعض الفتاوى التي أباحت دماء المعارضين السلميين، والتي تسبب في إراقة المئات منها في بعض البلاد العربية.
ولا تزال للأسف بعض الفتاوى تصدر من بعض الهيئات الشرعية أو الرموز الدينية، يُبتغى بها رضى المسؤول وإن خالفت أحكام الشريعة ومقاصدها!
يشهد التاريخ للإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله تعالى، أنه تحمل السجن وأشد أنواع التعذيب على أن يصدر فتوى ترضي الخليفة المأمون في مسألة «خلق القرآن» لخوفه من الله ولخشيته أن يضل الناس من بعده بسبب فتواه.
ومن مواقف العلماء المشهودة في بيان الحكم الشرعي بما يرضي الله، موقف مفتي تونس العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور.
ففي عام 1961 ظهر الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة، وهو يفطر في رمضان، ودعا الشعب للإفطار، لأن الصيام - حسب رأيه - يعطل الإنتاج ويؤثر على الاقتصاد!
وحتى يُلبس هذا الرأي لباساً شرعياً، طلب من مفتي تونس آنذاك ابن عاشور، أن يفتي بجواز الإفطار لزيادة الإنتاج.
فلما ظهر ابن عاشور على التلفاز - والناس تنتظر ما يقول - تلا الشيخ قول الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا كُتِب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون». ثم قال: «وصدق الله وكذب بورقيبة» وكررها ثلاثاً، وأفتى بحرمة الإفطار في رمضان.
بمثل هؤلاء العلماء تحيا الأمم وينصلح حال المسلمين.
يقول عمر بن الخطاب «ثلاث يهدمن الدِّين: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلّون».
Twitter:@abdulaziz2002