2 > 1

مَن الجاني على أموال «الصحة»؟

تصغير
تكبير
تصريح النائب عبدالكريم الكندري، بلوغ العلاج السياحي نصف مليار دينار، حرّك الساحة وأشعل غيرة النواب على المال العام. وجدناهم بعد هذا التصريح يتسابقون بالاسئلة البرلمانية بل وبعضهم هدد باستجواب وإقالة الوزير إن صحّت هذه المعلومة.

مشكلة العلاج السياحي ليست وليدة اليوم بل هي قضية قديمة تمتد لسنين طويلة. فرغم تبدل الوزراء إلا أن المشكلة لا تزال قائمة. وأعتقد أن الكثيرين تفاءلوا خيراً عندما وعد الدكتور جمال الحربي بكبح جماح الفساد ووقف الهدر بميزانية الصحة ومواجهة الفساد ومحاربته الرؤوس الكبار في الإدارة كتلك المواجهة الساخنة بينه وبين وكيل الوزارة السهلاوي والتي أفضت لإقصائه عن الكرسي (بحجة التقاعد). إلا أن المشكلة لم تنته والنائب الكندري لم يقل شيئا جديداً فالملايين تُهدر ولا تزال. بل الأنكى أن الفاتورة وصلت إلى نصف مليار دينار ونحن قريبون وعلى أعتاب موسم الصيف، حيث تنشط حالات التمارض وتنشط معها الحاجة للسفر بذريعة العلاج.


أين المشكلة؟ ومن المتسبب بذلك؟ فإن كان الوزير السابق الدكتور علي العبيدي، فها نحن بعهد وزير جديد، وإن كانت الفاتورة السابقة كبيرة فها نحن ندفع اكثر منها اليوم. وان كانت الادارة تحت الوزير الجديد هي المسؤولة، فالرؤوس الكبار قد أُطيح بهم وبقيت المشكلة!

المشكلة ببساطة يتحملها الشعب والإنسان الكويتي. فالمجلس المُندهش من ارتفاع فاتورة العلاج بالخارج هو الآخر سبب وله يد أساسي بهذه الفاتورة السياسية. والوزير الذي يدعي بأنه يتصدى للفساد ويوقف الهدر، مع احترامي له لن يستطيع أن يفعل شيئا طالما أنه يريد ان يطيل الجلوس على الكرسي ويحافظ عليه.

المشكلة الأساسية كما قُلت بالإنسان الكويتي بشكل عام سواء أكان مواطناً أو نائبا أو وزيراً. للجميع مصلحة بإبقاء هذا الفساد، وما الاندهاش والشعور بالانزعاج سوى كذبة كبرى نكذب بها على أنفسنا. فالعلاج بالخارج رحلة يسيل لها لعاب المواطن، كما يسيل لها لعاب النائب الذي يشتري بذلك ولاء الناخب، كما يسيل لها لعاب الوزير وحاشيته الإدارية كي يشتروا بها ثمن كراسيهم.

يقول أحمد أمين «إن الإنسان العربي لا ينظر للأشياء نظرة عامة شاملة. فهو اذا وقف أمام الشجرة لا ينظر لها ككل، إنما يستوقف نظره شيء خاص فيها كاستواء ساقها أو جمال أغصانها، وإذا كان أمام بستان لا يحيطه بنظره، ولا يلتقطه ذهنه كما تلتقطه الفوتوغرافيا، إنما يكون كالنحلة يطير من زهرة إلى زهرة، فيرتشف من كلٍّ رشفة». (فجر الاسلام، ص 84).

يبدو أن واقعنا الكويتي هو بهذا الشكل، فنحن لا ننظر للصورة بشكل كامل. نستلذ بالتفاصيل ودقائق الأمور ونسهو عن الصورة الكاملة، عن الصورة الخارجية. العيب ليس في الوزير، ولا في النائب، ولا في الموظف الصغير ولا في نوع المرض ولا في اللجنة. بل المشكلة في تلهفنا كشعب وراء الفساد والركض وراء مصالحنا ضاربين مصلحة الوطن بعرض الجدار. فلو اردنا ان نوقف هدر الصحة، لتوقفنا بالبداية عند أنفسنا ورفضنا العلاج بالخارج والسياحة لتحسين العلاج بالداخل، ولوفرنا آلاف الدنانير التي سنصرفها على شخوصنا وتركناها لمن هو أولى بها منا، ولقدرنا أن نحاسب بها النائب الراشي/‏المرتشي، ولحاكمنا الوزير بالشوارع لأنه رضي أن يُفسفس الملايين بعهده. يا ليتنا نحمل عُشر الحس الثوري للمناضلة راشيل كوري أو غاندي في العصيان المدني للفساد المستشري في داخلنا. علاج الفساد المستشري بالبلد بحاجة لكلمة الإمام علي عليه السلام «اكفوني انفسكم».

hasabba@
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي