2 > 1

ضربة الأمن القومي وفرحة العرب

تصغير
تكبير
الضربة الأميركية لقاعدة الشعيرات السورية، بالتأكيد حماقة لا يمكن أن تصدر إلا عن جهة كالإدارة الحالية.

فلو قلّبت الموضوع رأساً على عقب، لما وجدت التبرير لهذا التصرف. فالهجمة على خان شيخون كانت يوم الاربعاء، وفي الخميس خرجت التصريحات بأن الحكومة السورية ضربت المدينة بالسلاح الكيماوي بدأها المبعوث الدولي دي ميستورا ومن ثم ترامب الذي قال إن الهجوم إهانة للإنسانية والطفولة. ثم بعد ذلك توالت صواريخ القوات الأميركية يوم الجمعة (59 صاروخاً بتكلفة 88 مليون دولار) على مطار الشعيرات العسكري الذي دُمر بالكامل ودُمّرت معه نحو 20 طائرة حربية وسقط العديد من القتلى والجرحى.


أقول حماقة، كون الهجمة الدولية جاءت من دون تحقيق دولي للكشف عما جرى. فالشيء الوحيد الذي يعرفه الناس هو تصريح دي ميستورا بأن الضربة كانت من الجو، وهو ادعاء رده الروس بأن المخزن الذي قصده الطيران السوري كان يحوي مواد كيماوية، وبالتالي غير معلوم إن كان الطيران السوري هو من رمى بالمواد السامة أم هي نتائج القصف الجوي لمخزن الأسلحة.

الشيء الآخر أن المواد الكيماوية التي كانت بحوزة الجيش السوري أُتلفت منذ سنوات وباشراف دولي، وأميركي على وجه الخصوص. فالأمر الذي يزيد الضربة الأميركية غباءً، هو إجابة السؤال التالي: ما الذي يدفع بالجيش السوري ليستخدم السلاح الكيماوي الآن وهو في كل يوم يحقق المزيد من المكاسب على الأرض؟ ألا يبدو أن ذريعة استخدامها اليوم غير مقبولة بتاتاً بالنسبة للجيش السوري (أو مقبولة جدا بالنسبة للمعارضة المسلحة والدواعش)؟

طبعا لست في وارد أن أدفع التهمة عن النظام السوري، لأنه أساسا نظام دموي ولن يتردد بفعل ذلك لو كان يمتلك هذا المخزون، وفي حال اقتراب أجله من باب «أنا الغريق فما خوفي من البلل». لكنني في محضر توضيح بساطة وسطحية التفكير الأميركي ومن لف لفه، قد يتبادر لذهن البعض استشكال، وهو: هل يُعقل أن يكذب الأميركيون بأمر كهذا؟ للأميركيين (وغيرهم أيضا) تجارب طويلة عريضة مع الكذب. فإثارة الذعر والخوف يعتبر أسلوباً مُعتاداً ومعروفاً لدى الخبراء والدارسين للسياسات الأميركية وغيرهم.

فمثلاً حينما شعر وزير الخارجية الاميركي الاسبق دين آشيسون في إدارة ترومان في أربعينيات القرن الماضي، بالقلق لأن الشعب الأميركي لا يعير خطر الاتحاد السوفياتي السابق أي أهمية، عمل جاهداً لحث القادة الأميركيين على أن يكونوا «أوضح من الحقيقة»، فاستخدم أساليب نشر الذعر بين الناس. فآشيسون حاول أن يثير الذعر ليس فقط عند الإنسان العادي، بل حتى عند النخب السياسية بإثارة حالة من خوف غير حقيقية لدفعهم نحو ما تستشعره إدارته حيال الخطر السوفياتي.

والرئيس روزفلت فعل الشيء نفسه حينما قرر الدخول في العالمية الثانية بافتعال أزمة مع الألمان في واقعة الفرقاطة «غرير» أواخر صيف 1941. فمع أن الفرقاطة والطائرات البريطانية هي من تحرشت بالغواصة الألمانية، إلا أن روزفلت كذب على الشعب بقوله بأنهم تعرضوا للاستفزاز من الجانب الألماني ومن دون أن يذكر شيئا عن الطائرات البريطانية. رغم ذلك، الحادثة لم تكن كافية للتورط بالحرب إلى حين حادثة بيرل هاربر التي استغلت على نحو العجل للانخراط فيها.

وأيضا استخدم ليندون جونسون أسلوب الكذب أوائل أغسطس 1964 في حادثة تونكين للتصعيد الحربي مع فيتنام الشمالية. ومؤخراً جميعنا يذكر اعترافات المسؤولين الأميركيين أنفسهم عن كذب إدارة بوش الابن حول العلاقة التي تربط صدام بأسامة بن لادن، وقصة أسلحة الدمار الشامل.

عموماً كذبة ترامب بدأت حينما صرّح قبل الضربة بأن استخدام الكيماوي إهانة للإنسانية، ثم نفاها بعد يوم وبعد الضربة حينما صرّح بأنها كانت من اجل الأمن القومي! فالسياسيون يكذبون بشكل طبيعي جداً، لكن الفرق عندهم وكما يقول أتاتورك «لأجل الشعب، رغماً عن الشعب»، في حين عندنا «رغماً عن الشعب» فقط. لكن سؤالي الأخير: هم يضربون لأهدافهم، لكن أنتم يا عرب تصفقون على ماذا؟

hasabba@
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي