في الوقت الذي تتجه فيه الأوضاع السياسية نحو مزيد من الاستقرار، بعد التفاهمات التي تمت بين الحكومة والمعارضة، والتي كان من نتائجها رفع القيود الأمنية عن شباب الحراك وعائلاتهم، وعودة سعد العجمي إلى وطنه، وتشكيل لجنة من أجل إعادة الجناسي المسحوبة...
وهناك تطلعات من أجل إيجاد جو تفاهمي أكبر بين السلطتين، ينتج عنه عفو عام، ويتم فيه إسقاط القضايا المرفوعة ضد الناشطين من شباب المعارضة، وكذلك علاج مشكلة العزل السياسي.
أقول في هذا الوقت التي تظهر فيه هذه المؤشرات الإيجابية، نجد في المقابل بعض الأصوات النشاز، تريد أن تعكر الصفو وتزيد الاحتقان، وبدلا من أن تطفئ النار، تقوم بسكب الزيت!
إن كرام القوم هم من يسعون في إصلاح ذات البين - وهو عملٌ أجره عند الله أفضل من الصلاة والصيام والصدقة. وشرار القوم هم الذين يمشون في النميمة وفساد ذات البين، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن فساد ذات البَّيْن ِهي «الحالقة»، أي تحلق الدِّين.
فالعفو من شيم الكرام، وما اشتهرت العديد من الشخصيات العربية والإسلامية وذُكِرت مآثرها عبر التاريخ، إلا بعفوها عند المقدرة.
والمتأمل في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم - وهو أكرم الناس - سيجدها مليئة بالعفو والمسامحة عن من أساء إليه.
لذلك من يُحِب إنساناً - صِدقاً - يجب أن يدله على الخير ويعينه عليه، لا أن يصرفه عنه.
أُتي إلى المأمون برجل يريد قتله، وكان علي بن موسى الرضا جالساً عنده، فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: أقول إن الله تعالى لا يزيدك بحسن العفو إلا عزّا. فعفا عنه المأمون.
فهل يتعلم بعض المحرضين من مثل هذه المواقف؟
من قصص العفو ما ذكره الأصمعي بقوله: «أُتي الخليفة المنصور برجل يريد عقابه، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، الانتقام عدل، والتجاوز فضل، ونحن نُعيذ أمير المؤمنين بالله من أن يرضى لنفسه بأقل النصيبين، دون أن يَبْلُغ أرفع الدرجتين. فعفا عنه».
عندما أشاهد تحرّكين ومسْعيين يسيران في اتجاه معاكس، تحرك يدعو إلى المصالحة والتفاهم ورفع الضرر عن أبناء الشعب، وتحرك يدعو إلى الإضرار بالمواطنين والانتقام منهم، أتذكر قول الله تعالى «من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيبٌ منها * ومن يشفع شفاعة سيئة يكُن له كِفْلٌ منها».
نقول للمحرضين: عيب عليكم... واخجلوا من أنفسكم. فليس من شيم الرجال التحريض على أبناء وطنكم.
Twitter: @abdulaziz2002