عندما ابتدأت الخطابة على المنبر عام 91 ميلادي كان عمري وقتها 24 عاماً، وكنت في بعض الخطب أُردّد ما جاء في بعض الكتب المنزلة السابقة قول: «إن لله تعالى مناديا ينادي كل يوم: يا أبناء الخمسين زرعٌ قد نما وحان حصاده، ويا أبناء الستين ماذا قدمتم، ويا أبناء السبعين هلمّوا إلى الحساب».
وكنت أرى أن الوصول لسن الخمسين يحتاج إلى عمر طويل (ربع قرن)، ولم أدر أن الأيام والليالي والشهور والسنوات تجتاح أعمارنا من دون أن نشعر.
إنا لنفرح بالأيام نقطعها... وكل يوم مضى جزء من العمر.
وبما أنني أصبحت من أهل الخمسين، أخذت أتلمس وأبحث عما يُقال عن أهل هذا العمر.
فوجدت أن الخمسينات هي المرحلة الذهبية في عمر الإنسان، حيث الخبرات المتراكمة في الحياة الاجتماعية والعملية.
وهي الفترة التي يتحقق فيها ذروة الإنجاز في شتى مجالات الحياة.
في الخمسينات يكون رسوخ العلم والحكمة، ويتم فيها مراتب اليقين والرضا.
وفي هذا العمر يكون الإنسان أكثر سكينة واستقرارا، وفي خانة المشاعر يكون أكثر قدرة على إدارتها والتحكم فيها.
في الخمسينات يكون الإنسان أكثر ذكاء اجتماعياً ممن هم دونه في السن.
وفي هذه السن يكون المرء أكثر تحكماً بالانفعالات وردّات الفعل، ويزيد فيها الحلم وسعة الصدر والتغافل عن الأخطاء والزلات، والتسامي على الجروح، والتعالي عن روح الانتقام.
كما تكون لديه القدرة بصورة أكبر على تقييم الأشياء، فلا يتقبل كل ما يقال إلا بعد تفكير وتمحيص وتحقق.
الخمسيني تغلب عليه العاطفة، لذلك يحرص على إسعاد من حوله، وتشهد هذه المرحلة من العمر فترات الاستقرار الأُسري، ويندر فيها حالات الطلاق.
مكانة الخمسيني في مجتمعاتنا العربية والإسلامية تختلف عنها في المجتمعات الغربية، فهنا يجد التقدير والاحترام، بينما هناك يلقى الإهمال وعدم المبالاة.
في هذا العمر، يغزو الشيب شعر الرأس واللحية، وهو هيبة ووقار، كما أنه نور للمؤمن، وقد جاء في الحديث «من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة»، ولذلك كره أهل العلم نتف الشيب.
في هذا العمر لا بد للإنسان من وقفة محاسبة مع النفس: ماذا قدمت في ما مضى، وماذا سأُنجز في ما بقى، خاصة أنه ربما لم يتبق من العمر أكثر مما مضى، فأعمار هذه الأمة ما بين الستين والسبعين وقليل من يتجاوز ذلك.
الخمسيني لا بد أن يدرك أن زمن طيش الشباب ولّى، وأن عليه أن يستعد للآخرة، وويل لمن بلغ هذا العمر فلم يغلب خيرُه شرَّه.
وإذا تكامل للفتى من عمره... خمسون وهو إلى التُّقى لم يجنح
عَكَفَتْ عليه المُخْزِيات فماله... مُتَأخّر عنها ولا متزحزح
وإذا رأى الشيطان غُرّة وجهه... حيّا وقال فَدَيْتُ من لم يفْلَح
فيا أبناء الخمسين ماذا قدمتم؟ وكيف هي استعداداتكم؟
Twitter:@abdulaziz2002