جلست بين قلمي وأوراقي، لألملم شتات ذهني وتبدد عقلي، حتى أستطيع أن أسطر كلماتي عن شأن داخلي سيادي لا يجرؤ أحد على التدخل فيه غير جيران متطفلين ودخيلين، لا يحترمون ولا يبجلون تاريخ الكويت العريق في مساندتهم وتأييدهم لأكثر من موقف وحدث.
إن العراقيين نزعوا وجردوا كل قيم وقواعد الدين والدنيا، وتجاوزوا الأحكام الشرعية والدولية التي تحكم علاقاتهم بدول الجوار؛ ولم يبق من قضاياهم ومشكلاتهم إلا المطالبة بخور عبدالله.
تقدمت البلدان وتنافست وأصبحت تواكب بعضها البعض، ووصلت من الحضارة والتقدم إلى ما وصلت إليه؛ تقدم العالم بالفكر والثقافة والتكنولوجية إلى درجة تبهر، ولن نستطيع كبح أنفسنا أمام طوفان التطور والتقدم، إلا بسيل محمل بوقود الهمة والعزيمة لاعتلاء القمم والوصول إلى ما وصل إليه العالم، لنصبح من عظماء الأشخاص الذين سيذكرهم التاريخ بطموحاتهم وانجازاتهم، وكيف بذلوا واجتهدوا ليصلوا إلى القمم بأوج المعرفة والفكر والثقافة والحضارة.
العالم بأكمله من دون استثناء يسعى للتطوير والانجاز والبناء والتقدم والرقي، ما عدا العراق الذي ليس له هَمْ وهاجس إلا الكويت، وكيف السبيل في اكتنازها في جلباب العراق؟ لقد أصبح أبناء العراق حبيسي عقولهم التي لا تتجاوز أضغاث أحلامهم في ضم الكويت لهم بأي طريقة وأسلوب ومنهاج؛ أياً كانت عواقبه لا يهم؛ المهم ابتلاع هذه الكيكة المستطابة التي صُنعت من أغلى مواد خام في العالم، وزينت بالذهب الأسود، الذي أبهر العقول وجعلها تصاب بالجنون البيزنطي وأعمى القلوب عن الحقائق التاريخية لدولة مثل الكويت.
ويبدو لنا أن العراق من المجتمعات التقليدية التي تتسم ببطء الفهم والتغيير؛ لذا نكرر ونردد ليس ذماً ونقيصة، بأن ما صدر منكم، خطأ وزلل طيلة سنوات عجاف ووهن تقاسمناها معكم؛ لنرفع عنكم بعضاً من المعاناة؛ ولكن! القدح والعيب في تكرار ذلك الخطأ على مرور العهود والأزمنة.
رحماك يا رباه! فكلما تجردنا ونزعنا الغل من قلوبنا وتغلبنا على جراحنا وشاكسنا أرواحنا وصدقنا أوهامنا؛ أن العراق بلد جار وصديق ونواياه حسنة ولا يحمل للكويت إلا كل تقدير وهيبة واحترام لسيادة هذا البلد الصغير بمساحته الجغرافية؛ الكبير بأفعاله ومواقفه اتجاه العراق؛ كشف وتعرى عن نواياه مرةً أخرى؛ لا يستطيع العراق تمثيل دور البلد المسالم الحريص على علاقته الديبلوماسية والسياسية مع جار مثل الكويت.
فنحن لا نستغرب من بلد مثل العراق أن يأتي منه كل سوء، وقد دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان واقفاً في المدينة وقال أمام صحابته: اللهم بارك لنا في يمننا وشامنا؛ فسألوه الصحابة ثلاثاً ونجْدِنا؟ فلم يجب إلا في الثالثة، وقال: اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا ولا تبارك بنجدنا، وأشار ناحية العراق بلد العراك.
حتماً سيأتي يوم النصر والغلبة والفوز على العراق من دون حروب وفتك وأضرار؛ فتاريخه المدنس مع جيرانه، وتاريخ الكويت المشرف مع الجيران ذاتهم، سوف يلتقيان في صفحات متماثلة من الزمن؛ سنظفر بما نطمح؛ ونقهر من يخطط لحاضره ومستقبله على حساب جار أحسن له وتفضل عليه في كثير من المواقف؛ وإن تناسى أبناء الشعب العراقي وحكوماتهم المتتالية، فالتاريخ لن ينسى ويتغافل عن مواقف مطلة على نوافذ براقة لامعة من جنوب العراق إلى شمال الكويت.
[email protected]mona_alwohaib@