إن النظرة الإسلامية التي تنظم العلاقة بين الفرد والمجتمع تقوم على أسس عبادية قبل كل شيء، فالمسلم يتقرب إلى الله - جل جلاله - بخدمة المجتمع والدفاع عنه، والجماعة بمؤسساتها المختلفة، وجهودها الفردية تسعى إلى توفير الشروط الموضوعية والنفسية التي تتيح لملكات الفرد أن تتفتح، ولطاقاته أن توظّف وتستثمر من دون تطرف أو إرهاب، وليس على الفرد إلا أن يستحضر في ذلك المسؤولية الشرعية، ويستهدف نيل رضوان الله - تعالى - بهذه النظرة الإسلامية المعتدلة. وهذا التعاقد بين الفرد والمجتمع لا يقوم على الاتفاق، كما أنه لا يقبل النقض، وإنما ثمرة الإيمان بالله - جل جلاله - والخضوع لشريعته، وثمرةُ العيش في كنف الجماعة المسلمة.
إن المجتمع يكون مجتمعاً عن جدارة بمقدار ما يحسّ أفراده ببعضهم، وعلى مقدار ما يجري فيه من أنواع المراعاة والمعاونة، وعلى مقدار ما يسوده من التعاطف والحب والشفقة، وهذا ما جسّده المجتمع الكويتي في كثير من الأحداث التي مرت عليه، كان المجتمع بكل أطيافه يستوعب توجيهات النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلوكه ما يدل على أن التفكير في راحة الآخرين وسعادتهم بالعبادة وغيرها ينبغي أن يحتل جزءاً رئيساً من اهتمامات المسلم ووقته وجهده، فاستجاب للتوجيهات واتبعها خير اتباع، وهذا شرط من شروط قبول العمل، فالشرط الأول الإخلاص في الأعمال لله تعالى وحده، والثاني الاتباع للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بأفعاله وأقواله. في كل حدث أو أزمة يجسد المجتمع الكويتي قيم التراحم والإحساس المشترك، وتنصهر التقسيمات والتصنيفات والفئات في بوتقة الوحدة الوطنية.
من هنا تأتي المناشدة لأبناء الوطن، لنبذ التعصب المقيت والانغلاق والتحيز ضد الآخرين، والتناقض الذي ينافي المفهوم الإسلامي للانتماء الوطني. إن الوطنية هي شعور بشرف الانتماء إلى الوطن، وهذا الشعور يتولد من التلاحم الوطني ومن كرامة الأوطان وعزتها، استطاع المواطن الكويتي أن يبرهن ويدلل بأنه مواطن صالح، مستقيم الشخصية، حينما أسهم في رقي البلاد ونفعها ومساعدة أهلها، ورسّخ المواطنة الحقيقية التي هي عطاء أكثر من أن تكون أخذاً.
من حق الكويتيين أن يفاخروا مجتمعات الأرض بالصرح الشامخ الذي شيدوه بترسيخ وتوطيد مفهوم فقه المواطنة الحقيقية خلال الاحتلال العراقي الغاشم، وأجبروا العالم على أن يصنّف المجتمع الكويتي في ذلك اليوم من المجتمعات المتحضرة، بدرجة وضوحه وعطائه في حب الوطن، وتماسك والتحام وتعاضد أفراده، فقد ترك التخلف خلفه ولم يلتفت له، فكانت رؤيته واضحة لحقوقه وواجباته، فهذا هو الكويتي تجده متحضراً ومتمدناً بالأزمات والشدائد والضائقات، فكيف به في أوقات الرخاء والرفاهية، فعطاؤه لا يماثله عطاء، تحية إجلال وإكبار لكل كويتي كسّر قوالب التعصب وانصهر في بوتقة الوطن.
[email protected]mona_alwohaib@