من أكثر الأشياء التي تُدخل على النفس السكينة، وعلى القلوب الطمأنينة، هي العيش بروح التفاؤل مهما اشتدت الخطوب وتتابعت المحن. ولذلك عندما يتأمل الإنسان بعض الأحداث التي تجري في العالم - خاصة العربي منه والإسلامي - يصيبه الحزن والألم، لكنه يتفاءل بزوالها بإذن الله.
الصهاينة يحتلّون القدس من 50 عاما تقريبا، والنظام السوري ما زال يقتل شعبه لأكثر من 5 أعوام، والحوثيون مع الرئيس المخلوع صالح يسيطرون على صنعاء، ويتعرض مسلمو «الروهينغا» في ميانمار إلى تمييز عنصري وإبادة وحشية وسط صمت العالم.
وهناك تمييز طائفي في العراق أدى إلى تهجير آلاف العوائل والأسر من بيوتها ومناطقها، وأصبحوا يعيشون حياة اللاجئين.
لكننا على يقين بأن هذا الليل سينجلي، وستشرق بعده شمس الحرية.
من المعلوم عبر التاريخ، أن معظم قوات الاحتلال يتم طردها وإن طال الزمن، فلقد خرج المحتل البريطاني والفرنسي من البلاد العربية، وطُرد الروس من أفغانستان، وتم بحمد الله تعالى دحر الغزو العراقي الغاشم من الكويت.
عوامل النصر والتحرير وجلاء الظلم تتطلب أموراً منها: أن يؤمن أصحاب القضية بقضيتهم، وألا يتنازلوا عنها مهما طال الزمن، فصلاح الدين حرر القدس من الصليبيين بعد احتلال امتد إلى 88 عاما.
يتطلب الانتصار أن يستفرغ أهل الحق كل جهدهم وطاقتهم، فلا يدّخروا مالا ولا جهدا أو وقتا، من أجل التغلب على المعتدي، بل لو تطلب الأمر بذل الروح لكانت رخيصة تجاه الدين والوطن.
من أهم الأمور الاجتماع ونبذ الخلاف، والحرص على رص الصفوف، والتنازل من أجل جمع الكلمة، فلا يُمكن لمتنازعين أن يحققوا الانتصار على عدوهم، وقلوبهم متخالفة «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم».
إذا اشتملت على اليأس القلوب... وضاق لما بها الصدر الرحيب
أتاك على قنوط منك غَوْثٌ... يمُنّ به اللطيف المستجيب
وكل الحوادث إذا تناهت... فموصول بها الفرج القريب
إطلاق السجين
من المحن التي يتعرض لها كثير من أهل الحق: السجن والاعتقال. ويتم به قطع العلاقة ما بين السجين والعالم الخارجي، ويحاول السجّان كسر إرادة السجين، من أجل التخلي عن مبادئه أوالمطالبة بحقوقه.
لكننا نجد في التاريخ عبراً، لشخصيات سُجِنت لكنها انتصرت رغم قيودها.
نرى انتصار الإمام ابن تيمية - رحمه الله - على سجّانيه، فلقد زرع بثباته الإيمان والقوة في قلوب أتباعه، وانتشرت آراؤه وعلمه وأفكاره إلى يومنا هذا، وما زال دعاة الحق يرددون شعاره «إن سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة».
وسيد قطب - رحمه الله - الذي سُجن ثم أُعدم، عجز جلّادوه عن كسر إرادته، أو الفوز بسطرٍ يكتبه من أجل استعطافهم، أو إذلال نفسه لجبروتهم وطغيانهم، ليعلنها «أن إصبع السبابة الذي يشهد لله تعالى بالوحدانية في الصلاة، يرفض أن يكتب حرفا واحدا يُقِرّ به حكم طاغية». ولا تزال كتب سيد قطب، تُدرّس في الجامعات والكليات.
قبل أيام خرج الشيخ رائد صلاح - رئيس الحركة الإسلامية في أراضي 1948 - من سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد أن أمضى 9 شهور في سجن انفرادي، بسبب تلفيق الصهاينة له تهمة التحريض على العنف.
وبعد خروج صلاح من السجن مباشرة، أعلن أن عزيمته في السجن لم ولن تنكسر، وسيواصل مقاومة المحتل حتى رحيله عن آخر شبر من الأرض المباركة.
إنها إرادة تفت الصخر، وتحطم القيود، وتهزم السجان.
Twitter: @abdulaziz2002