رأي قلمي

الأدوات الناعمة

تصغير
تكبير
التغيير سنة من سنن الله تعالى في خلقه، وهو من الثوابت الذي لا يمكن إنكارها أو نفيها، وقد جرّب الإنسان على امتداد التاريخ، في إصلاح شؤونه وتغيير أوضاعه، الكثير من الأساليب والأدوات التي تعينه لإحداث التغيير.

إن أردنا جادين إحداث عمليات تغيير لإصلاح المجتمع وضبطه نحو الأفضل، فعلينا باستخدام الأدوات الناعمة، جنباً إلى جنب مع استخدام قوة القانون في المحافظة على أمن المجتمع واستقراره.


إن العالم المتحضر يركز على الأدوات الناعمة لصنع أو إحداث تغيير، والمقصود بالأدوات الناعمة: التربية والدعوة والإعلام والتعليم والحوار والنموذج المؤثر. إن مهمة التربية هي تجسير العلاقة بين الأجيال الماضية والجيل الحاضر من خلال غرس وتلقين الصغار القيم والفضائل الاجتماعية، وتهذيب الشوائب والزوائد في شخصياتهم. كما أن للتربية فلسفة مهمة في تحويل الأفكار الجديدة إلى سلوك وثقافة، أي إلى أسلوب عيش وطريقة حياة. ويأتي بعد ذلك التعليم ليكمل دور الأسرة.

ويستند الإعلام وعمليات التواصل والإقناع إلى الإيمان بقوة المعرفة على التغيير، والإيمان بقوة المنطق على تصحيح المسارات الخاطئة، ويستأثر النموذج الملهم بالكثير من الفاعلية التغييرية. ومن هنا، فإن الله تعالى أكرم الأنبياء عليهم السلام بالعصمة ليشكلوا لأتباعهم القدوة الحسنة، وليتجسد ما يدعون إليه في سلوكياتهم أفضل تجسيد.

لدينا حقيقة مهمة، هي أن الأمم لا تنتقل من وضعية إلى أخرى من خلال الأفكار، وإنما من خلال النماذج، والمجتمعات مستعدة للتغيير والارتقاء لكنها تحتاج دائماً إلى من يمضي أمامها ليذلل ويعبِّد لها طريق التقدم.

وهناك متطلبات نحتاجها للنجاح في التغيير بالأدوات الناعمة، منها: المصداقية، وهي شرط مهم للنجاح. وحتى تؤثر الأدوات الناعمة في الناس، فإنها تحتاج إلى منتج جيد، ويكون هذا المنتج جيداً حين لا يخالف عقائد الناس، ولا يضيع عليهم مصالحهم، أو يصادم ما لديهم من أمور يعتزون بها مثل لغتهم أو رموزهم.

ومن المتطلبات المهمة، ان الأداة الصلبة لا تقتصر على القوة فحسب، لكن في بعض الأحيان تكون هناك حاجة لسن قوانين رادعة كما لو شاعت الفوضى في البلد، وكذلك هناك دائماً حاجة إلى سنِّ قوانين لحفظ الآداب العامة والمظهر العام للمجتمع، والناس يتقبلون ذلك تحاشياً للابتذال والفوضى، كما أن هناك مؤشرات كثيرة تشير إلى أنه لا بد من تعانق ووئام القانون مع الثقافة، الثقافة والأدوات الناعمة تولّد القناعات، والقانون يحمي المكتسبات الثقافية والاجتماعية. القانون يوجد الثقافة، والثقافة تسهل الالتزام بالقانون، تغيير المجتمع بالأدوات الناعمة دليل واضح على رقي البشر وتحضرهم واستعدادهم للانقياد لضمائرهم والقيم التي يؤمنون بها. فلنسعَ ونبدأ بتغيير المجتمع بالأدوات الناعمة، كل حسب موقعه ومكانته.

[email protected]

‏mona_alwohaib@
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي