حديث الأيام

خبث التاريخ

تصغير
تكبير
مع أن التاريخ يعد من أسهل المواد في المدرسة وأقلها درجة وأهمية. ومع أن مدرس التاريخ لا يشكل خطرا على الطلاب، إلا أن هذه المادة التي نعتقد أنها ساذجة أصبحت مرجعاً لكل شيء في حياتنا.

ولا يمر لقاء، ولا محاضرة، ولا نزاع، ولا مناظرة إلا وتسمع، لو رجعنا إلى التاريخ، أو لو نظرنا إلى التاريخ. وكأن التاريخ صار حكماً على كل شيء، والمتصرف في خياراتنا وطريقة تفكيرنا في الحياة، ويا ويلك إذا لم يكن لك تاريخ، فأنت عندها تصبح أضحوكة وقليل قيمة، وكأنك ابن اليوم والعياذ بالله.


وللأمانة التاريخية! (لاحظوا كيف حشر التاريخ نفسه في الجملة)، أقول ومع أن مادة التاريخ ليس لها وزن مدرسي، إلا أنها تتغلغل في كل مفاصل حياتنا، وكأنها ملح هذه الحياة وسرها، حتى أصبحت حياتنا أسيرة للتاريخ وتسير حسب المعايير التاريخية.

وقد فهم السياسيون اللعبة وصار التاريخ لعبتهم المفضلة، وبين الكلمة والأخرى ستسمع كلمة الحقوق التاريخية، أو الشراكة التاريخية، والحدود التاريخية، والمطالب التاريخية، والإرث التاريخي، حتى يصلون إلى الجذور التاريخية.

والتاريخ ليس بالشيء الهين، بل هو أخطر مما تظنون. فبسببه قامت حروب لا تعد ولا تحصى. وأقسى مثال على قسوة التاريخ ووحشيته هو دولة إسرائيل المغروسة بيننا اليوم، فهذه الدولة بالذات قامت على «شوية» أساطير تاريخية على «شوية» خرافات تاريخية فقط لا غير! والمصيبة أن العالم صدق هذه الأساطير التاريخية وكذب الواقع وما ترها عيناه! وكأن التاريخ صك شرعي وعذر لاحتلال فلسطين، وبالفعل طردوا شعباً كاملاً من أرضه! مع أن المسألة من أولها إلى آخرها مجرد تاريخ في تاريخ.

وقسوة التاريخ و«بجاحته» لا تقف عند حد... فحتى العلوم الطبيعية والجيولوجية والبيولوجية لم تسلم من لسانه ويده، وصار التاريخ لا يتكلم إلا بـ «قالت الأحافير» و«قالت» و«الآثار»، حتى وصل به الأمر إلى البحث في تاريخ الإنسان وأصله وفصله. وفي الأخير «فضحنا» وقال إن أصل الإنسان قرد! والحمد لله أنه لم يقل «كلب»!

ولم يكتفِ التاريخ بالهالة السياسية التي أحاط نفسه بها، بل كساها بهالة مقدسة حتى يضمن ألا يتعرض للنقد أو التجريح أو التكذيب خصوصاً وأنه مجرد «حكي بايت»، ومع ذلك صار مصدر إلهام للأديان، ولا تجد ديناً أو معتقداً إلا وكان التاريخ عموده الفقري وذاكرته الفكرية، واختلط الحابل بالنابل، ووقع الناس في حيرة، ولم يعد ممكناً التفريق بينهم، حتى أصبح الدين، تاريخاً والتاريخ ديناً!(وتعالوا حلوها)

Albusfahad8@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي