حديث الأيام

الحمقى يقودون التاريخ!

تصغير
تكبير
لا أحد اليوم يتذكر الدكتور شاكر مصطفى، رحمه الله، أبداً، لا بالخير ولا بالشر، مع أنه من أكبر علماء التاريخ في العصر الحديث. وخلال حياته المديدة مر على مناصب كثيرة وبدأها كمدرس ثم سفير فوزير، وانتهى به المطاف أستاذاً في جامعة الكويت. والدكتور مصطفى ليس كمعظم دكاترة هذه الأيام، بلا طعم أو لون وحتى رائحة، بل انه أثرى المكتبة العربية بعشرات الكتب، ومن ضمنها كتابان ظريفان، الأول «الأيتام يقودون التاريخ» والثاني «المظلومون في التاريخ». ومات - رحمه الله - ولم يؤلف لنا كتاب «الحمقى» أو «الحمير يقودون التاريخ» أو «المخبولون قلبوا مخنا ومخ التاريخ». وبيني وبينكم، أغلب من قادوا التاريخ أو غيروا مجراه أو عبثوا بمحتواه، هم من المخبولين، والذين يفكرون بطريقة غير تقليدية. ولو استعرضنا سيرهم لوجدناهم يختلفون عنا نحن من ندعي اننا أناس عقلاء (ما شاء الله علينا).

ولو أخذنا السلم التاريخي من الأول وسمينا باسم الله، وبدأنا بسيرة أخينا العظيم الاسكندر الأكبر لوجدناها غريبة. ومن دون الخوض في التفاصيل المحرجة لحياته الخاصة، فإن هذا القائد (ركب رأسه) وحلف ألف يمين ويمين، أن يحتل الأرض من شرقها إلى غربها، وبالفعل عملها وكان وبالاً على جيشه وعلى الأمم التي احتلها، مع ذلك لم يكن هناك هدف منطقي أو سبب عقلاني لكل ما فعل، ولولا أن جيشه اكتشف أن هناك شيئاً غير طبيعي في قائده العظيم، لوصل الاسكندر إلى الأميركتين قبل كولومبس.


ومن على شاكلة الاسكندر، كثيرون، ولو «فرطنا السبحة»، لوجدنا لها بداية ولن نجد لها نهاية، وخذها من نيرون الذي أحرق عاصمته روما، واكمل مع الامبراطور قسطنطين الذي قتل أسرته في النهاية، وسلم لي على تيمورلنك ونابليون وموسوليني وهتلر، حتى تصل إلى العصر الحديث. وسترى بأم عينك غباء عيدي أمين وجنون العظمة لدى صدام حسين وحماقة معمر القذافي والحبل على الجرار. وأضف لهم من تريد من زعماء الدول غير الديموقراطية، والتي يصبح فيها وصول شخص غير سوي إلى السلطة أمرا شائعا ومقبولا إن لم يكن محبباً!

أما كيف استطاع هؤلاء المخبولون قيادة شعوبهم، فالسر بسيط، وهو لو لم يكن هؤلاء مخبولين بامتياز، ولا يُقدرون الاخطار والحماقات التي يرتكبونها، لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه! فمن الصفات التي تميزهم، أنهم يتمتعون بجرأة غير طبيعية، هي أقرب للحماقة، وبعيدة كل البعد عن التفكير المنطقي أو العقلاني الذي يبحث في السبب والنتائج قبل الوقوع في المحظور. وهؤلاء كثيرون، ولكن أغلبهم يخسر وينتهي سريعا، وهنا يسخر منه المؤرخون ويصفونه بالحماقة والغباء. أما إذا قدر الله ومشت الأمور مع هذا القائد الأحمق (مثل العسل)، فسيصبح عندها في نظر الناس والمؤرخين القائد الضرورة! ولا تستكثر منهم بعض النجاحات هنا وهناك، لأن المحصلة النهائية مع استمرار حماقاتهم ستكون كارثية على أحسن تقدير.

وعموما لم يفتكم من التاريخ الشيء الكثير، فصحيح أنني استندت إلى شواهد تاريخية، إلا أن مثل هؤلاء القادة لا يزال والحمدلله يعيش بيننا ويتربع على صدورنا حتى اليوم ويمكن مشاهدته بالعين المجردة.

ونسيت أن أقول شيئاً مهماً وطريفاً في الوقت نفسه، وهو أنه ورغم حماقة هؤلاء الزعماء، إلا أنهم سيجدون من يقف معهم ويبرر أفعالهم بل ويبجلها، ألم يقف العالم العربي بمثقفيه ومفكريه وسياسييه مع صدام حسين في كل حماقاته!

ويجب أن ننتبه إلى أن ما يجلب الحظ والتأييد لمثل هؤلاء، هو أنهم يفكرون ويتكلمون بطريقة ساحرة للسذج والبسطاء، وما أكثرهم في عالمنا العربي، فهم يخاطبون رغبات شعوبهم، ويداعبون عواطفهم، وبعيداً عن كل منطق أو واقع، كل شيء لديهم ممكن وسهل وجائز، ولا يوجد في قواميسهم كلمة مستحيل، وبما أنهم يعيشون في ظل أنظمة بدائية، فلن يجدوا من يحاسبهم أو ينتقدهم أو حتى يعالج أخطاءهم. ومع تكنولوجيا القمع الحديثة سيجدون من يقف وراءهم بل ويقاتل من أجلهم.

وبالأسلوب نفسه، يخرج لنا المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الولايات المتحدة. ومن الواضح أنه اكتسح الجمهوريين، ولم يكن ذلك بسبب جدارته بل بسبب رداءة منافسيه، وقد اسقط في يد الجمهوريين وتمت تزكيته للمنافسة على الرئاسة، ومع ذلك سيتركونه في الانتخابات العامة ويلجأون إلى المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون. وسر تفوق ترامب المبدئي، هو ثروته وانفاقه بسخاء، إضافة إلى شطحاته الساذجة والتي تذكرنا بالقادة المخبولين في التاريخ. ولذا ظهر له مؤيدون عرب ومسلمون!

ومهما قال كبار المحللين السياسيين، إلا أن احتمال فوز كلينتون عليه شبه مؤكد، لأن ترامب لا يمتلك فكرا سياسياً ولا يفهم اقتصادياً ومكروه اجتماعياً، وما يملكه هو فقط المال، وهو ليس بكافٍ لإقناع الشعب الأميركي بأهليته للرئاسة. وثانياً، لأن الأنظمة الديموقراطية هناك تفضح مثل هؤلاء الأدعياء وتضعهم تحت طائلة النقد والتشريح. وهنا سينكشف المستور وتظهر الشمس على الحرامي. أما لو أن ترامب ترشح في العالم العربي، فإنني أجزم يقينا أنه سينجح ولو ترشح ألف ألف ألف مرة.

Fheadpost@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي