حديث الأيام

«خُذ نفساً»!

تصغير
تكبير
«خُذ نفساً»، وبعد أن تأخذوا نفساً، أود أن أعتذر لكل القراء عن غيابي الطويل عنهم، وهذا بالطبع مع فرض وجود قراء ومعجبين ومعجبات وإلى آخر «هيلمان» الشهرة الذي نتمتع به نحن معشر الكتاب.

وعموماً أحب أن أطمئن القراء على صحتي، وأقول لهم خذوا نفساً فكل الأمور بخير والحمد لله، وأنا ما زلت على «قيود» الحياة. وما زلت آخذ نفساً.


أما حكاية «خذ نفس»، فهي حكاية طريفة علقت في ذهني أثناء تواجدي خلف أسوار المستشفى... فهذه العبارة هي العبارة الأولى والوحيدة التي ستسمعها، وستظل تسمعها حتى آخر لحظة في حياتك هناك. وستسمعها من الممرضات والأطباء كلما أرادوا طعنك بإبرة أو تشريحك بمشرط، وكله لأجل خاطر عيونك وبحجة فحص دمك أو اسعافك، أو في سبيل أي شيء يرونه مناسبا لطعنك. ولم يكن أمامي إلا مجاراتهم رغم عدم اقتناعي، وكله يهون في سبيل الطب وعلم الأحياء والأموات... ولكن ما كان يقتلني أنهم كانوا يطعنونني وهم في غاية السعادة ويبتسمون وكأنهم يحتفلون بعيد الأضحى المبارك.

خذوا نفساً: فهذه المرة أتت كبيرة الممرضات ومعلمتهم الطعن، وقالت: خذ نفساً عميقاً هذه المرة لأننا سندخل غرفة العمليات، ورضوخاً لأوامرها أخذت الشهيق ونسيت أن هناك زفيراً حتى نبهني له الممرض ونحن خارجون من غرفة العمليات.

«وخذ نفساً» ولا تأخذك العزة بالنفس هذه المرة، وتعتقد أنك أكبر من الأطباء أو حتى الممرضين الممرضات. فليس أمام هؤلاء كبير، وكل الناس أمامهم مرضى وسواسية كأسنان الضب، وعليك أن تتنازل قليلا وتتحمل معاملتهم، وبعض شطحاتهم الغريبة والتي لن تسمعها من شخص طبيعي، وما أعظم سذاجتي حين سألتهم: ألا تعرفونني؟ قالوا: بلى... أنت المريض رقم مليون ونص... لكن ألا تعرفنا؟ قلت لهم: لا ! قالوا: حسناً خذ نفساً!

وخذ نفساً وكن حذراً. فمع أنهم سيستقبلونك على أبواب المستشفى استقبال الأبطال، وكأنهم في انتظارك منذ زمن طويل، إلا أنهم سيموتون فرحاً وتنتابهم حالة من الفرح الهستيري إذا ودعتهم ولو كنت ذاهباً إلى جهنم. ويجب أن تحسب حسابك وتخرج منهم ولو زحفاً... فإن لم تخرج منهم حياً فسيساعدونك هم بالخروج، ولكن ميتاً، فلا يغرّك توددهم وعذوبة كلامهم وطيب معشرهم، فهم يخططون ومنذ الأيام الأولى لكيفية التخلص منك وخروجك، فإذا قدر الله وخرجت منهم، فلا تريهم وجهك مرة أخرى، لأن العواقب عندها ستكون وخيمة.

ومع ذلك خذوا نفساً وصدقوني هذه المرة فقط... صدقوني أن الأطباء في العالم، ورغم كل ما قلت فيهم ومع أنهم يبعثون الرعب والإحباط النفسي، إلا أنهم أهون بكثير من السياسيين وأصدق منهم. وصحيح أن أخطاء الأطباء قاتلة، إلا أنها فردية وغير مقصودة، بينما أخطاء السياسيين وأفكارهم مقصودة وقد تبيد شعوب بأكملها.

خذوا نفساً: وقولوا الحمد لله... انتهت المقالة.

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي