نعيب على بعض الأطفال عنادهم وصلابة رؤوسهم وقوة بأسهم، في الإصرار على بعض الأشياء وعدم التنازل عنها، أو التمسك ببعض الحاجات وعدم التخلي عنها.
ولكن كم من البالغين من الرجال والنساء من يحمل مثل ذلك السلوك، وتراه عنيدا في كثير من المواقف؟
العناد الذي تعود أسبابه إلى شعور بعض الأشخاص بانكسار هيبته إن هو تراجع عن قراره، أو الاعتقاد بأن الرجوع إلى الحق نوع من الضعف.
وقد يكون العناد كُرها في المخالف، وربما كان العناد لاستهانة الشخص بمن حوله.
طلب المشركون من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يأتيهم بِبَيّنةٍ على صدقه، وهي انشقاق القمر إلى نصفين، فقال: إن فعلت تؤمنوا ؟ قالوا نعم.
فلما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم ربه ورأوا انشقاق القمر، عاندوا واستكبروا ولم يؤمنوا وقالوا: سَحَرنا محمد !
استمع أبو جهل إلى القرآن وأُعجب بطراوته وجميل آياته، لكنه عاند ولم يؤمن فلما قيل له لماذا لا تُسلم؟ قال: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وأعطوا فأعطينا، وحَموا فحَمَيْنا، حتى إذا تجاذبنا على الركب وكنّا كَفَرَسَيْ رهانٍ، قالوا: منّا نبيٌ يأتيه الوحي من السماء، فمتى نُدْرِك ذلك؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نُصَدِّقه !
هناك أشياء بسيطة لا يُكلّف قيام الإنسان بها جهدا كبيرا، وهناك بعض التصرفات التي تحتاج إلى شيء من التغيير إلى الأصوب، إلا أن عناد الإنسان يدفعه إلى رفض القيام بها، من مثل ذلك الرجل الذي كان يأكُل بشماله، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: كُلْ بيمينك، فقال الرجل: لا أستطيع !
فقال صلى الله عليه وسلم: «لا استطعت، ما منعه إلا الكبر». فما رفعها إلى فمه (أي أصيبت بالشلل).
إن من صور العناد تمسّك البعض برأي شخصٍ ما حتى لو اتضح له خطؤه ومخالفته للصواب، ويكون ذلك من باب التعصب لشيخه أو استاذه أو مفتيه.
ورحم الله تعالى سلف الأمة الذين كان أحدهم يقول: «إذا رأيتم كلامي يُخالف كلامَ رسول الله، فاعملوا بكلام رسول الله واضربوا بكلامي عرض الحائط».
وكان الإمام مالك يقول: كلٌّ يُؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر (يقصد الرسول عليه الصلاة والسلام).
أحيانا نأخذ قرارات أو نتمسك برأي، ثم يتبين لنا خطؤه، فلا ينبغي علينا أن نكابر في عدم الرجوع عنه.
كتب عمرُ بن الخطاب وصيةً إلى أبو موسى الأشعري جاء فيها: «أما بعد، فلا يمنعك قضاءٌ قضيته بالأمس، راجعت فيه نفسك وهُديت فيه لرُشدك، أن تُراجع الحق، فإن الحق قديم، وإن الحق لا يُبْطِلُه شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل».
كم نعيب العناد عند الآخرين في العمل وفي الشارع أو عند النقاش والحوار في المجالس وعبر وسائل التواصل، وأحيانا يعيب كل من الزوجين العناد عند شريك حياته، لكن هل راجعنا أنفسنا مرّة، وتأمّلنا صور العناد في عقولنا ومواقفنا ؟
وصية:
لا تكُن صلبا فتُكْسَر ولا ليّناً فتُعْصَر.
Twitter:@abdulaziz2002