اليوم، تدفع الثورة التنموية الحاصلة في أغلب المجتمعات في اتجاه التنمية الشخصية للأفراد، لتجعلها قادرة على الاستجابة الصحيحة لمجمل المشكلات والمستجدات التي تجعل الحياة أصعب يوماً بعد يوم، وهي التحدي الكبير الذي سيظل يواجهنا ويدفعنا للتنمية في كل جوانب حياتنا،خصوصا الشخصية منها، والشخصية في أبسط تعريفاتها. هي مجموعة الصفات الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية التي تظهر في العلاقات الاجتماعية لفرد بعينه، وتميزه عن غيره، ونعني بتنمية الشخصية، السير نحو الأحسن والأكمل بمختلف أبعاد الإنسان، الروحية والعقلية والنفسية والجسمية على الصعيد الفردي الذاتي، وعلى صعيد العلاقات مع الآخرين.
إن التنمية الجادة للشخصية عبارة عن مقاومة الإنسان لرغباته وعاداته وأهوائه، وعبارة عن صقل لجوانبها المختلفة، وهذا كله يعني نوعاً من تحكم المرء بنفسه، إلا أن هذا ليس بالأمر اليسير ما دامت النفس نزاعة إلى الفوضى والكسل واستثقال الواجبات... نمو الشخصية يتطلب من الفرد استمرارية التعلم، واكتساب الخبرات، وأخذ العبر من أحداث الحياة.
إن أسباب التنمية المطلوبة لجعل الإنسان سبّاقا، وجديراً بالخلافة في الأرض موجودة لدى الناس الأسوياء، أي الإنسان الصالح المتكامل المقدر للمسؤوليات المنوطة به، وهذا النوع من الناس لا يمكنه أن ينمو من دون أن يكون لديه هدف أعلى، إن الهدف الأسمى ليس ضرورياً لإثارة الحماسة للعمل فحسب، وإنما لإضفاء نوع من التوحد على حياتنا وإزالة التناقض منها، كما أنه لا بد من وجود قناعة بضرورة التغيير، وهذا يعني شعور المرء بتفوقه على ذاته، وبأن يومه خير وأفضل من أمسه، لأنه إذا لم يساعد نفسه لم يساعده أحد.
وحتى يحدث شيء من تنمية الذات لا بد من قبول الذات على مستوى الفرد، وعلى مستوى الانتماء لمجتمعه وهذا شرط أساسي لتطوير الذات، لأنه حين يرفض المرء نفسه رفضاً تاماً، ويعتقد أنه لا يصلح لشيء تكون محاولات التحسين فاشلة وغير ذات معنى بالنسبة اليه. إن اليأس والإحباط وانسداد الآفاق تولّد نوعاً من الشعور بكراهة المرء لنفسه وازدرائه لها، ما يجعله لا يقيم أي وزن لقدراته وامكاناته لتطوير وتنمية نفسه.
ان صلابة الإرادة تكاد تكون إحدى نتائج التحضر، حيث يحدد رقي المجتمع وتخلفه المستوى العام من الإرادة اللازمة للعيش فيه بكرامة، فتنمية الشخصية تحتاج للإرادة الصلبة للاستمرار في اكتساب عادات جيدة والتخلص من عادات سيئة، وتنمية الذات تحتاج إلى صبر، وإلى نَفَس طويل، فلا بد لتنمية الذات من وجود نوع من معاكسة الظروف، وهنا نحتاج لشيء من التحدي، وعلينا أن نوقن أن بزوغ (الشخصية) لا يتم إلا من خلال الشعور بالمسؤولية، وإن التقزم الذي نشاهده اليوم في كثير من الناس ما هو إلا وليد تبلد الإحساس بالمسؤولية عن أي شيء. وهذه دعوة منّا للقيام بثورة تنموية شخصية ترتقي بالفرد وتطور ذاته وتحقق له أهدافه وتسطر انجازاته.
[email protected]twitter: @mona_alwohaib