لكل مجتمع من المجتمعات، مجموعة من المبادئ التي تحكم المسارات العامة في حياتها، كما أن أحداث الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية، تفرض عدداً من المشكلات التي تتطلب حلولاً مناسبة. ولا بد حتى يتم تحقيق المبادئ من توظيفها في أشكال من النظم الإدارية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية، وإلا ستظل عبارة عن شعارات ومقولات ضعيفة الفاعلية في حياة الناس قابلة للتأويل.
إن المبادئ تمثل الروح التي تسري في النظم، وإذا لم توظف هذه المبادئ، ستفقد قدرتها على الجذب، وتصبح النظم الإدارية عبارة عن هياكل فارغة جافة، تُستغل من بعض العاملين والموظفين بدل أن تستخدم في النفع العام. وأهم عنصر من عناصر العملية الإدارية، هو الإنسان، الذي يقوم بتفصيل الأنظمة التي تترجم الأهداف إلى سياسات، ثم يصبُّ تلك السياسات في برامج محددة، ليتم تحقيقها في حياة الناس لخدمتهم وصلاح شؤونهم. والإنسان هو الذي يقوم بتنفيذ تلك البرامج، كما يقوم بتطوير النظم وتقويم أدائها... والذي ينبغي أن يفعل كل ذلك هو الإنسان الذي يتصف بصفتين: القوة، وتعني الكفاءة والقدرة والفاعلية والجودة في الأداء، والأمانة، وتعني الإخلاص والصدق والنزاهة والحرص على خدمة البلاد والعباد.
فالقوة تعني تحقيق المبادئ وتنفيذ البرامج عبر النظم المقننة، والأمانة تعني سد الفجوات التنظيمية التي تتركها التنظيمات باندفاع من وحي المبادئ والأهداف التي قامت تلك النظم لتحقيقها، كما أنها تعني عدم استغلال الأنظمة في تعويق مصالح الناس وإضاعة حقوقهم، أو جلب مصالح خاصة من خلالها للعاملين والموظفين. إن أدوات الفساد الإداري وانخفاض فاعلية النظم الإدارية تعاني منها معظم الدول، وذلك لعدم بلورة الآليات التي تحجم من الفساد، وتساعد على استقامة بعض جوانب السلوك عند الموظفين، وفساد النظم الإدارية أو ضعف أدائها يعني مضاعفة معاناة الناس اليومية، كما يعني مزيدا من الركود الحضاري وعدم التقدم.
نحن اليوم بحاجة لأفكار إدارية للصلاح والإصلاح، ولتحجيم الفساد أو اقتلاعه من جذوره، ولن تتم بلورة وتطبيق تلك الأفكار إلا بتطبيق العقوبات على المقصرين والمتجاوزين من الموظفين والمراجعين. حان وقت تفعيل النظم الإدارية التي ترسخ حقوق الدولة على الموظف كأن تنتفع بوقته وجهده وخبرته وفكره وإبداعه خلال ساعات العمل، وإحقاق حقوق الموظف والعامل، فعلى الدولة أن تؤمّن له حاجاته الأساسية والضرورية وبعض الكماليات حتى لا ينشغل باله ويصبح همه المعيشة وطرق عيشها، ولا بد من حفظ كرامة الموظف الإنسانية. العملية التبادلية بين الدولة والفرد هي الحل الأمثل لتشخيص ومعالجة مشكلات الفساد الإداري، والتخلص من الفسّاد والمفسدين.
[email protected]twitter: @mona_alwohaib