رأي قلمي

مسار التفكير!

تصغير
تكبير
رغم أن الله - سبحانه - وضع الأشياء كلها في إطار شبكة من العلاقات المتبادلة، إلا أن الغالبية منّا تتعامل مع الأشياء على أساس النظر للوجود على أنه مجموعات من البنى المفككة والكتل المتناثرة، وهذا شيء طبيعي لأنه نابع من القصور البشري، فنحن في علاقتنا مع بعضنا، وفي علاقتنا مع بيئتنا المحيطة بنا، لا نحتفظ بصفائنا ونقائنا، وليس دائماً نكون بالمركز، وغيرنا على الحواف، كما أننا لا نكون دائماً مؤثرين وغيرنا متأثرا بنا أو العكس، فطبيعة التفاعل تقتضي أن يحدث تغير في وضع كل واحد من أطراف عملية التفاعل إلى درجة تبادل الأدوار، فيصبح الآخذ معطيا، والمعطي آخذا.

معظمنا يتبنى تفكير المسار الواحد، فيرى الأشياء بنظرة تخالف المعنى الحقيقي لهذه الأشياء، مثال على التربية بكونها عملية تفاعلية، سواء كانت التربية شيئاً يمارس في البيوت على صورة تهذيب وغرس للقيم، أم كانت شيئاً يمارس في المدارس على هيئة تعليم وتدريب، فنظرة تفكير المسار الواحد تصور المربي مع من يربيه على أنهما طرفان، ولكل طرف سمته وآدابه، وهذه النظرة تحكم على العلاقة بين الطرفين على أنها علاقة جامدة خاملة، لكن الحقيقة تختلف عما يراه صاحب تفكير المسار الواحد، فالآباء والأساتذة لا يشكّلون الطرف الذي يربي فقط، كما أن الأبناء لا يشكلون الطرف الذي يتربى فقط، فكل واحد منهما يربي ويتربى في آن واحد، فنحن الكبار نحمل معنا شيئاً من طفولتنا، ونملك القابلية لأن نتربى ونتغير ونتعلم من الذين نربيهم ونعلمهم، فمهارات التربية والتعليم لا نكتسبها لولا الأبناء والطلاب، فالحقيقة كل واحد من الطرفين يعطي ويأخذ، ويغير ويتغير، ولا وجود لأحدهما من دون وجود الآخر، إن أسلوب التفكير بمسارات عدة يفتح أمام المربين أبواباً جديدة للتعلم والفهم والاكتشاف عوضاً عن الرؤية القديمة ذات المسار الواحد، التي لا يبحث المربي من خلالها إلا عن خضوع الذين يربيهم وامتثالهم لجميع أوامره ونواهيه.


فالذي يفكر في مسار واحد، ينظر إلى المشكلات والأزمات والمصائب والآلام والأمراض، على أنها منغصات ومكدرات، ولكن معلم البشرية - عليه الصلاة والسلام - يعلمنا كيف نضيف إلى تلك النظرة نظرة أخرى لنرى فيها شيئاً آخر على نحو إيجابي كما ورد من قوله: "لا تسبوا الحمّى، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يُذهب الكير خَبَث الحديد". إن مصيبة المرض عبر هذه الرؤية ليس مصدراً للآلام فحسب، ولكنها مصدر لنيل الحسنات وتكفير الخطايا والسيئات. إن رؤيتنا المشوّهة للأشياء النابعة من تفكير ووجه واحد وملاحظة اتجاه واحد لها، تحرمنا من الشعور بتآلف الكون وتكامله وتسخير بعضه لبعض، فلنصحح رؤانا، وطريقة تفكرينا، لأننا في عالمنا الحاضر في أمّس الحاجة إلى هذه النظرة.

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي