لبنان غارقٌ في «تَحلُّل» مؤسساتي بانتظار... حلول خارجية

انفجار حرب كلامية بين برّي وعون

تصغير
تكبير
تلفزيون بري وصف أنصار عون بـ «المرتزقة والقراصنة»
على أهمية ملفات النفايات والقمح المسرْطن والتوازن الطائفي في التعيينات الادارية و«أزمة» جهاز أمن الدولة، فإن غرق لبنان في هذه العناوين في غمرة المنعطف الذي بلغته الحرب السورية، كما في ظلّ بدء تبلْور الإجراءات التنفيذية لتصنيف دول مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية لـ «حزب الله» كـ «منظمة ارهابية»، يشي بأن البلاد تعيش خارج «اللحظة السياسية»، وبأنّها سلّمت بأن «القفل والمفتاح» في مأزقه الداخلي، الذي يختزله الفراغ المتمادي منذ نحو عامين في رئاسة الجمهورية والانخراط العسكري لـ «حزب الله» في سورية وأدواره الأمنية في غير دولة (عربية وخليجية)، موجود في الخارج وانه رهن بما سيفضي اليه «التطاحن» في المنطقة التي باتت ملعباً للقوى الإقليمية والدولية الوازنة.

واذا كان النجاح المبدئي للحكومة في تفكيك أزمة النفايات التي «التهمت» العديد من الشوارع في بيروت وجبل لبنان بعد نحو 8 أشهر من انفجارها «الفضائحي»، شكّل نقطةً لمصلحة الطبقة السياسية رغم كل «روائح» الشبهات والصفقات التي رافقت انفلاش هذا الملف وحلّه، فإن قضية القمامة وما رافق مداولات جلسة مجلس الوزراء اول من امس عكست ان حال الاهتراء المؤسساتي باتت تنذر بفصول قاتمة جديدة تتداخل فيها الاعتبارات السياسية مع الحسابات الرئاسية، من دون ان تلوح في الأفق اي بوادر لإمكان تحقيق اختراق في الأفق المسدود نتيجة اشتداد تعقيدات المشهد الاقليمي في ضوء الانسحاب العسكري الروسي من سورية وإعلان الأكراد النظام الفيديرالي في مناطق سيطرتهم في شمال سورية.


وفيما بقي هذان التطوران «خارج الاهتمامات» العلنية اللبنانية، فإن اوساطاً سياسية في بيروت ترى ان من الصعب حالياً فكّ «شيفرة» الخطوة الروسية التي عكستْ في جانب منها تبايناً بين موسكو وطهران حيال الأولويات والحسابات في الأزمة السورية، وتالياً تداعيات اي شعور لايران بأنها قد تدفع ثمن تفاهم اميركي - روسي في سورية على سلوكها في ملفات أخرى، وتحديداً في ما خصّ الواقع اللبناني، وسط اقتناعٍ بأن «حزب الله» الذي دفع أثماناً باهظة للدفاع عن خياراته الاقليمية في سورية والعراق واليمن وساحات أخرى، لن يكون في وارد الخروج «خالي الوفاض» من ايّ تسوياتٍ يبقى «تثميرها» من الزاوية الأضيق بالنسبة اليه لبنانياً، وفق قواعد تعدّل موازين اللعبة الداخلية من باب إعادة تكوين السلطة وتَقاسُم «كعكتها».

ولئن حاذرتْ هذه الأوساط البناء على المفاجأة الكردية في سورية، واذا كانت الخطوة الاولى على طريق «فدْرلة» هذه البلاد، وارتدادات ذلك تالياً على لبنان الذي سيجد نفسه على تماس مباشر مع «سورية المفيدة» على الحدود الشمالية والشرقية، فإن الجانب الآخر من التحديات الـ «ما فوق عادية» التي ركّزت عليها الاوساط نفسها تمثّلت في عجز لبنان الرسمي عن احتواء مفاعيل «كرة ثلج» الاجراءات العربية والخليجية الناجمة عن إدراج «حزب الله» كـ «منظمة إرهابية» والتي تتجلى في سبْحة قرارات ترحيلٍ إما مباشر او من خلال عدم تجديد إقامات او منْع دخول عبر المطارات او محاكمات خلايا وشبكات، في عدد من الدول بينها الكويت والبحرين والسعودية والامارات.

وتأتي هذه التطورات، فيما حكومة الرئيس تمام سلام تحاول «الصمود في وجه العواصف» مستفيدةً من قرارٍ خارجي بمنْع تداعيها الذي من شأنه وضع المجتمع الدولي امام تحدّي «قنبلة موقوتة» عنوانها 1.5 مليون نازح سوري يستضيفهم لبنان، في حين تؤشر كل المعطيات المتصلة بجلسة انتخاب رئيس الجمهورية المحدَّدة الأربعاء المقبل الى أن هذه الجولة ستلتحق بسابقاتها لجهة عدم اكتمال النصاب الدستوري (86 نائباً)، رغم الدفع الذي أعطته عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت قبل أكثر من شهر، وحسم تمسُّكه بترشيح النائب سليمان فرنجية وصولاً الى تشكُّل ما يشبه «الحلف الثلاثي» الداعم للأخير يضم الى الحريري كلاً من رئيس البرلمان نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، مقابل دعم «حزب الله» العماد ميشال عون الذي نال تأييد حزب «القوات اللبنانية» بقيادة الدكتور سمير جعجع.

وكان بارزاً في الساعات الماضية، «المعركة الكلامية» التي انفجرت بين فريقيْ بري وعون على خلفية معلَنة هي حقوق المسيحيين والتعيينات، فيما يتمثّل جوهرها بتموْضع بري الرئاسي، وسط غمْز بعض الدوائر من قناة بدء تبلور ملامح «نقزة» من «الجنرال» حيال حقيقة رغبة «حزب الله» في وصوله الى الرئاسة ما دام حلفاء وثيقون له إما يمتنعون عن تأييده (بري) او لا ينسحبون لمصلحته (فرنجية).

واكتسبت «الملاكمة الكلامية» بين بري وعون اهميتها لأنها تضمّنت «عياراً» غير مسبوق بحدّته، وهي جاءت امتداداً لسجال داخل جلسة الحكومة اول من امس بين صهر عون وزير الخارجية جبران باسيل ومستشار رئيس البرلمان وزير المال علي حسن خليل، بدأ على خلفية كلام باسيل على أزمة جهاز أمن الدولة وإثارته موضوع التعيينات في القطاع العام والغبن المسيحي الحاصل فيها، غامزاً من قناة خليل الذي ردّ متهماً وزير الخارجية بانه يثير ما سماه «ذمية سياسية»، فأجابه الأخير بأنكم «انتم تمارسون الذمية السياسية».

وبعد هذا الجدال، الذي سبقه كلام لرئيس الحكومة رداً على مداخلات بعض الوزراء لإثارة مواضيع من خارج جدول الأعمال بلغ حدّ قوله «بيكفي لهون وبَس، رئاسة الحكومة ليست ممسحة، وأنا ما رح إقدر كفّي هيك، إما ان نحترم بعضنا وتحترموا صلاحياتي بإدارة الجلسة وإمّا لنَرفعها»، انفجرت «الحرب» عبر محطتيْ «او تي في» (تابعة لعون) و«ان بي ان» (تابعة لبري) التي شنّت هجوماً غير مسبوق على عون وتياره عبر مقدمة نشرتها المسائية وصفتهم فيه بـ «المرتزقة وقراصنة تشوّه الدستور وتطلق البدع والفتاوى التي تناسب مصالحها وتخالفها حيث لا مصلحة لها»، متهمة «أو تي في» بـ «التحريض طائفيا ومذهبياً وفتح الهواء بهدف تشويه الحقائق وصب الزيت على النار من خلال ادعاءات مفادها ان دولة الرئيس نبيه بري رئيس مجلس النواب يعتبر ان المجلس هو له».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي