غداة بيان حكومة بيروت الذي فشل في نزع فتيل الأزمة

السعودية تحذر مواطنيها من السفر إلى لبنان والإمارات تمنع رعاياها من التوجه إليه وتخفّض العلاقات

تصغير
تكبير
جعجع وصف بيان الحكومة بأنه «شِعر بشعر» وتساءل: كيف نطبّق النأي بالنفس و«حزب الله» يقاتل في سورية؟
طلبت السعودية، أمس، من رعاياها عدم السفر إلى لبنان، ومن الموجودين فيه مغادرته حرصا على سلامتهم، في وقت لا تبدي أوساط وزارية وسياسية واسعة الاطلاع تفاؤلاً ملحوظاً حيال إمكان ترميم الأزمة الخطيرة التي وجد لبنان نفسه أمام تداعياتها المتسارعة في علاقاته مع المملكة ودول الخليج قاطبةً، رغم البيان الذي أصدره مجلس الوزراء، اول من امس، الذي شدّد على التزام الإجماع العربي في القضايا المشتركة.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية أن «الوزارة تطلب من جميع المواطنين عدم السفر إلى لبنان حرصاً على سلامتهم، كما تطلب من المواطنين المقيمين أو الزائرين للبنان المغادرة وعدم البقاء هناك إلا للضرورة القصوى، مع توخي الحيطة والحذر والاتصال بسفارة المملكة في بيروت لتقديم التسهيلات والرعاية اللازمة».


وانضمت الإمارات إلى المملكة معلنة منع مواطنيها من السفر إلى لبنان وخفضت عدد أفراد بعثتها الدبلوماسية هناك.

وقالت الوكالة «أعلنت وزارة الخارجية والتعاون الدولي أنها رفعت حالة التحذير من السفر إلى لبنان إلى منع السفر إليه اعتبارا من امس. كما قررت وزارة الخارجية تخفيض أفراد بعثتها الديبلوماسية في بيروت إلى حدها الأدنى».

إلى ذلك، نظرت الأوساط الوزارية والسياسية اللبنانية الواسعة الاطلاع بكثير من الريبة الى الواقعة التي حصلت بعد جلسة مجلس الوزراء، حين بادر وزير الخارجية جبران باسيل الى عقد مؤتمر صحافي، عمد فيه الى التمسّك بتبرير مواقفه في مؤتمريْ الجامعة العربية والمنظمة الاسلامية، اللذين خرج فيهما عن الإجماع العربي في خصوص الموقف من الاعتداء على السفارة السعودية في ايران، مشدداً على «انحيازي إلى الوحدة الوطنية، إذا خيّرنا بين الإجماع العربي والوحدة»، وهو الأمر الذي بدا استفزازياً للغاية عقب ساعات طويلة من مناقشات الحكومة وتوصُّلها الى بيان بإجماع الوزراء.

وإذْ سارع رئيس الحكومة تمام سلام، خلافاً لعاداته، الى الردّ السريع على باسيل، في رسالة مباشرة، فُهم منها ان سلام لن يسكت بعد الآن على أيّ موقف يخالف البيان الأخير للحكومة، فإن ذلك لم يحجب الشكوك الواسعة في صحّة الاتجاهات التي سيعتمدها وزير الخارجية، ومن خلفه حليف «التيار الوطني الحر» اي «حزب الله» الذي يخوض مواجهة لا هوادة فيها مع السعودية.

وتبعاً لذلك، تقول الاوساط انها تخشى «ألا يكون البيان الحكومي، ومن ثم مبادرة الرئيس سعد الحريري الى إطلاق توقيع وثيقة الوفاء للسعودية والإجماع العربي في الاحتفال الذي أقامه مساء الإثنين في بيت الوسط، كافييْن لتبديد الغضب السعودي والخليجي».

وفيما بدت الأوساط الوثيقة الصلة بسلام والحريري متفائلة في إمكان تصويب الموقف اللبناني وإقناع السعوديين بتجميد الإجراءات العقابية التي بوشر بها مع وقف المساعدات المالية للجيش وقوى الامن الداخلي، كان لافتاً امس، المناخ الذي استُشفّ من الأجواء التي سادت مقر السفارة السعودية في بيروت، من أن بيان الحكومة لم يكن له وقع ايجابي على المملكة، وانه لم يكن بالوضوح والقوة اللازميْن، وأن المطلوب أكثر، وأن ثمة جهداً ما زال مطلوباً من سلام والمسؤولين اللبنانيين لوضع حدّ للأصوات التي تسيء إلى السعودية، وأن السفير علي عواض عسيري الذي سيلتقي رئيس الحكومة قريباً سينقل الى قيادة المملكة طلبه زيارتها.

إلا ان الأوساط نفسها لفتت الى تطور ارتسم في الأيام الأخيرة، وبدا معه ان ردود الفعل المؤيدة للسعودية في لبنان ادت الى تثبيت واقع يصعب على مناهضي السعودية تجاهُله، وهو انهم «بدوا منعزلين وأقلية، مهما بلغت قدرتهم على التسبب بتداعيات مؤذية للبنان. وهو امر يمكن البناء عليه لإقناع المملكة بضرورة عدم التخلي عن دعم لبنان، ما دامت المواجهة تقتضي إبراز الصوت المؤيّد للسعودية بقوّة في وجه المناهضين لها، مع التوقُّع بأن ينشأ من الآن فصاعداً واقع شديد الحساسية داخل الحكومة، التي وإن كانت نجت من (القطوع) التي تَهدّدها، فإنها مقبلة أكثر فأكثر على اهتزازات إضافية في غالبية الملفات، لأن انعكاسات الهزة الخليجية تنذر بتعمُّق الصراع الاقليمي وارتداده على لبنان».

وفي ظل هذا المشهد المشدود، تضيف الاوساط ان «المعترك الرئاسي في لبنان قد يتجه الى مزيد من التعقيدات في المرحلة الطالعة. واذا كان الحريري لا يزال يبدي إرادة صلبة في تحركاته السياسية الكثيفة الهادفة الى ممارسة الضغوط من اجل حمْل المقاطعين الى حضور الجلسات الانتخابية، بدءاً بجلسة 2 مارس المقبلة، فإن المشهد الرئيس ذاهب الى مزيد من التعقيد بعد هذا الموعد، وسط عامل طرأ مع تداعيات العاصفة الأخيرة، ظهر معه العماد ميشال عون المتضرر الأكبر جراء تحميل صهره وزير الخارجية وتحالفه مع (حزب الله) تبعة تعريض المصالح اللبنانية للخطر الشديد. ولكن هذا العامل لا يعني بالضرورة تسهيلاً للانتخابات الرئاسية، بل يُرجَّح ان يثير عقبة إضافية أمامها، بما يبقي التأزيم سيد الموقف لان (حزب الله) لن يكون في وارد تسهيل الاستحقاق متى شعر بإمكان نفاد خصومه من هذا التطور لكسر الفراغ الذي يمسك بورقته».

وفي هذه الأثناء، وصف رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بيان الحكومة بأنه «شِعر بشعر»، معتبراً في مؤتمر صحافي ان «جوهر الأزمة الحالية يكمن في أن (حزب الله) يخوض معارك عسكرية في سورية، العراق، البحرين، واليمن، بمواجهةِ سياسةٍ طويلة عريضة تعتمدها السعودية، ما يؤثر على كل لبنان، الذي يجرّه فريق داخلي الى هذه المواجهة»، مؤكداً أن «الوضع الداخلي من سيىء الى أسوأ، لأن هناك مَن يصادر قرار الدولة»، متسائلاً: «كيف نطبّق سياسة النأي بالنفس فيما ينفّذ (حزب الله)أجندة إستراتيجية ويقاتل في سورية؟». ودعا جعجع الحكومة الى «مطالبة (حزب الله) بسحب قواته من سورية والانسحاب من المواجهات العسكرية التي يخوضها في الدول العربية كافة، وإلا ستتفاقم الازمة».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي