دعوات لإرسال وفد حكومي رفيع إلى الرياض ومساعٍ لعقد جلسة لمجلس الوزراء

لبنان مرتبك تحت تأثير «الغضبة السعودية»

تصغير
تكبير
بقيت بيروت امس «تحت تأثير» الصدمة التي أَحدثها القرار السعودي غير المسبوق في سياسة المملكة تجاه لبنان بإجراء «مراجعة شاملة للعلاقات» بين البلدين كان «أوّل غيثها» وقْف هبة الـ 3 مليارات دولار لتسليح الجيش من فرنسا وما تبقّى من هبة المليار دولار التي خُصصت لقوى الأمن الداخلي، مع اتهام الرياض «حزب الله» بمصادرة إرادة الدولة، وذلك على خلفية «مواقف لبنانية مناهضة للمملكة على المنابر العربية والاقليمية كما حصل في مجلس جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الاسلامي من عدم ادانة الاعتداءات السافرة على سفارة المملكة في طهران والقنصلية العامة في مشهد» فضلاً عن المواقف السياسية والاعلامية التي يقودها «حزب الله ضد المملكة وما يمارسه من إرهاب بحق الأمة العربية والاسلامية».

وأعربت اوساط مطلعة عن الخشية من ان تكون الخطوة السعودية على طريقة «الآتي أعظم» اي بداية لسلسلة إجراءات على أكثر من صعيد، بما في ذلك الدعم المالي للبنان والودائع في المصرف المركزي الى جانب اللبنانيين العاملين في المملكة، وذلك بما يضع البلاد في مواجهة مرحلة بالغة الصعوبة في ظلّ الواقع الاقليمي المتفجّر والفراغ الرئاسي المتمادي منذ نحو عاميْن والذي أتاح «تسيُّباً» مؤسساتياً غير مسبوق، ولا سيما مع صدور مواقف خليجية داعمة للقرار السعودي عبّرت عنها خصوصاً كل من الامارات والبحرين.


وأطلق القرار السعودي مجموعة من علامات الاستفهام في بيروت حول حدوده وخلفياته، راوحت بين ثلاث أسئلة: اوّلها هل ان الرياض اتخذت هذه الخطوة في سياق رفع وتيرة المواجهة مع ايران على أعتاب الدخول السعودي المباشر في الأزمة السورية، مع ما يعنيه ذلك من ان لبنان يقف على مشارف مرحلة من التحوّل ساحة اشتباك اضافية بين السعودية وايران، ولا سيما في ظل التعاطي مع هبتيْ الـ 4 مليارات دولار على انهما كانتا من ركائز القرار العربي - الدولي بتوفير صمامات الامان للاستقرار في بلاد الأرز؟ وثانيها هل القرار هو في إطار تسليم سعودي بأن لبنان بات بحكم «الساقط سياسياً» في يد ايران وحلفائها نتيجة الوقائع السياسية المتراكمة والاتجاهات الديبلوماسية الفاقعة التي صار يعبّر عنها عبر خارجيته على المنابر العربية والدولية؟ وثالثها هل الأمر «موْضعي» ويتصل حصْراً بمحاولة تشكيل ضغط لتصويب الموقف اللبناني أقله على المستوى الرسمي وردْع انزلاقات الديبلوماسية اللبنانية بإيعاز من «حزب الله» نحو المزيد من الالتصاق بالمحور الايراني؟

وبدا لبنان الرسمي مرتبكاً حيال «الغضبة» السعودية - الخليجية، واصطدمت المطالبات من قوى داخلية ولا سيما في 14 مارس بانعقاد مجلس الوزراء سريعاً لمناقشة سياسة لبنان الخارجية بالواقع السياسي المأزوم والخشية من ان يشكّل هذا الملف المستجدّ «لغماً» يطيح بالانفراج النسبي الذي أتاح عودة عجلة العمل الحكومي. علماً ان «التيار الوطني الحر» الذي يتزّعمه العماد ميشال عون الذي صوّب عليه الموقف السعودي من دون تسميته، حاول وضْع سلوك رئيس التيار وزير الخارجية جبران باسيل (صهر عون) في سياق الالتزام بالبيان الوزاري للحكومة الذي ينص على النأي بالنفس، داعياً عبر الوزير الياس بو صعب الى «اجتماع للحكومة لمناقشة هذا البيان او حتى تعديله بما يتناسب مع الساسية التي سيتخذها لبنان».

وكان لافتاً ان القرار السعودي سرعان ما دخل على خط التجاذب الداخلي على جبهتين: الاولى الصراع المفتوح بين فريقيْ 8 و 14 مارس، حيث رسم «حزب الله» سقفاً حاداً في الردّ على خطوة المملكة قابلته 14 مارس بتحميله تبعات إخراج لبنان عن الإجماع العربي ومحاولة إلحاقه بإيران والدعوة الى جلسات مفتوحة للحكومة وإرسال وفد على أعلى المستويات إلى المملكة «لمعالجة الأزمة الخطيرة». اما الجبهة الثانية فهي الملف الرئاسي حيث تم التعاطي مع الخطوة السعودية على انها «نعي كامل» لأي حظوظ للعماد عون لتولي رئاسة الجمهورية.

وفي هذا السياق برز حرص «تيار المستقبل» ورئيسه سعد الحريري على توجيه أصابع الاتهام الى «التيار الحر» و«حزب الله» بما آلت اليه الأمور مع السعودية، في حين حاول رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ان يوازن بين تحالفه الوثيق مع السعودية وبين خياره بتبني ترشيح عون للرئاسة من خلال تحميله «حزب الله» حصراً والحكومة مسؤولية سوء العلاقة مع الرياض.

وقد اعلن الحريري بعد زيارته مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان تفهمه الموقف السعودي، مؤكداً «اننا نحض الحكومة على أن تتحرك باتجاه المملكة لنرى كيف يحل هذا الموضوع»، ولافتاً الى «أن المواقف التي اتُخذت في جامعة الدول العربية وفي كل المنابر الدولية ضد المملكة، خصوصا في موضوع الاعتداء على السفارة السعودية في ايران هو موقف غير عربي وغير مفهوم»، ومشدداً على ان «من يتحمل هذا الامر هو حزب الله والتيار الحر».

وعما اذا كان يمكن ان يسحب ترشيحه للنائب سليمان فرنجية ليكون العماد عون مرشحاً توافقياً؟ اجاب الحريري: «لا، ربما الحكيم (جعجع) يجب ان يسحب ترشيحه لميشال عون، ونحن مستمرون وملتزمون بترشيحنا».

ولم يتأخّر رد جعجع الذي قال عبر «تويتر»: «بتمون شيخ سعد بس شو رأيك تعمل العكس»، وذلك بعيد مؤتمر صحافي كان عقده في مقره في معراب وعزا فيه قرار السعودية الى أمرين: «أولاً هو أن فريقاً لبنانياً يهاجم السعودية على الطالع والنازل بشكل مستمر ولأسباب لا علاقة لها لا بلبنان ولا بمصلحته ولا بمصلحة اللبنانيين»، معتبراً ان «الشعرة التي قصمت ظهر البعير ثانياً هي انه حين حصل التعدي على السفارة السعودية في طهران كل حكومات الأرض دانت هذه الحادثة إلا الحكومة الللبنانية تحت غطاء النأي بالنفس الذي ينطبق في حالات أخرى وليس في هذه الحالة»، داعياً الحكومة الى ان تلتئم «وتوجّه طلباً رسمياً الى حزب الله بالامتناع عن مهاجمة المملكة تحت طائلة تنفيذ قانون العقوبات اللبناني، فضلاً عن وجوب تشكيل وفد رفيع المستوى قوامه نصف الحكومة الحالية مع رئيسها لزيارة المملكة وطرح الأمور كما هي والطلب من السعودية اعادة استئناف مساعداتها الى لبنان».

من جهتها، قالت وزارة الخارجية اللبنانية في بيان انها كانت أول من بادر إلى إصدار موقف رسمي على لسان الوزير جبران باسيل أدان التعرض للبعثات الديبلوماسية السعودية في إيران ولأي تدخل في شؤونها الداخلية، وأعلن تضامنه مع المملكة.

وأوضحت الخارجية ان الموقف الذي عبرت عنه في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة ووزراء منظمة المؤتمر الإسلامي في جدة، جاء مبنيا على البيان الوزاري للحكومة وبالتنسيق مع الرئيس تمام سلام ومن ثم من خلال عرضه من قبل باسيل على مؤتمر الحوار الوطني، مطالبة المملكة بأن تتفهم تركيبة لبنان وموجبات استمرار حكومته.

الزياني يعلن تأييد مجلس التعاون للإجراءات السعودية

أعلنت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، عن تأييدها التام لقرار المملكة العربية السعودية إجراء مراجعة شاملة لعلاقاتها مع الجمهورية اللبنانية، ووقف المساعدات الخاصة بتسليح جيشها وقواها الأمنية.

وقال الأمين العام للمجلس عبداللطيف الزياني إن «دول المجلس تساند قرار السعودية الذي جاء رداً على المواقف الرسمية للبنان، التي تخرج عن الإجماع العربي، ولا تنسجم مع عمق العلاقات الخليجية - اللبنانية وما تحظى به الجمهورية اللبنانية من رعاية ودعم كبيرين من قبل المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون».

وأكد أن دول المجلس «تعرب عن أسفها الشديد، لأن القرار اللبناني أصبح رهينة لمصالح قوى إقليمية خارجية، ويتعارض مع الأمن القومي العربي ومصالح الأمة العربية، ولا يمثّل شعب لبنان العزيز، الذي يحظى بمحبة وتقدير دول المجلس وشعوبها، وهي تأمل أن تعيد الحكومة اللبنانية النظر في مواقفها وسياساتها التي تتناقض مع مبادئ التضامن العربي ومسيرة العمل العربي المشترك، وتؤكد استمرار وقوفها ومساندتها للشعب اللبناني الشقيق، وحقه في العيش في دولة مستقرة آمنة ذات سيادة كاملة، وتتطلع إلى أن يستعيد لبنان عافيته ورخاءه الاقتصادي ودوره العربي الأصيل».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي