نكسات متتالية لـ «14 آذار» من باسيل إلى سماحة... فهل تمضي بالتصارع على فرنجية وعون؟

المنطقة المشتعلة «عيْنها» على الانتخابات الأميركية لا... اللبنانية

تصغير
تكبير
هبة السعودية

لتسليح الجيش اللبناني

على خط التجاذب

بين طهران والرياض

هل تشكل عملية إطلاق سماحة «جرس إنذار» من شأنه

ترميم العلاقة المأزومة بين أطراف «14 آذار»؟
استمرّ لبنان تحت تأثير عاصفة التشنّج السياسي والشعبي التي نجمت عن إطلاق المحكمة العسكرية الخميس الماضي الوزير السابق ميشال سماحة بعد ثلاثة أعوام وخمسة أشهر من توقيفه لنقله وبـ «الجرم المشهود» متفجرات في سيارته من سورية، وبعلم الرئيس بشار الاسد، الى لبنان في إطار مخططٍ ارهابي - فتنوي شمل بنك أهدافه شمال لبنان.

ورغم التأويلات القانونية المتناقضة التي أفضت الى إطلاق سماحة، الذي كان أقرّ خلال التحقيقات معه بما كان يخطّط له، فإن هذا التطوّر سدد، في مغزاه السياسي، ضربة موجعة لتحالف «14 آذار»، المصاب بتصدّعات عميقه نتيجة الخيارات المتناقضة لقادته، وخصوصاً حيال الانتخابات الرئاسية التي يمسك بمفتاحها «حزب الله».


وطُرحت في بيروت، ومن خلف غبار هبّة التنديد بتخلية سماحة، أسئلةٌ تجاوزت الانفعالات السياسية والشعبية، وتركّزت على المدى الذي يمكن ان يبلغه تأثير هذا الحدَث القضائي - السياسي على سلّم الاولويات في البلاد التي تعاني خلط أوراق واختلالات في ظل تمادي المأزق السياسي - الدستوري.

فهل تشكل عملية إطلاق سماحة «جرس إنذار» من شأنه ترميم العلاقة المأزومة بين أطراف «14 آذار»، وتالياً تَراجُع زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري عن خيار ترشيحه للنائب سليمان فرنجية للرئاسة، وكذلك بالنسبة الى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي يعتزم ترشيح العماد ميشال عون؟

أوساط مستقلة في «14 آذار» تعتقد ان هذا التحالف تعرّض أخيراً لأكثر من انتكاسة، من النوع الذي لا يمكن التقليل من وطأته، وهو أمرٌ ناجم عن اختلالٍ فاضح في إدارة التوازنات الداخلية سببه صعود الخيارات الخاطئة لـ «14 آذار» على حساب ثوابتها الاستراتيجية، وفشلها في إدارة خلافاتها تحت سقف وحدة أهدافها.

وفي قراءة هذه الأوساط لمظاهر الاختلال، الذي كشف هشاشة «14 آذار» وتَراجُع دورها كلاعب محوري في إرساء التوازن الداخلي وما يمليه من سياسات تتعلّق بموقع لبنان الاقليمي، تحدّثت عن ثلاث وقائع لا يرقى اليها الشك هي:

• خروج لبنان عن الإجماع العربي، في موقف غير مسبوق على الاطلاق. وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل حين انفرد في عدم تبنّي البيان الصادر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة (الذي ايّده حتى العراق) لمجرّد ان البيان أعلن تَضامنه مع السعودية في وجه تدخلات ايران في المنطقة.

وبدا ان الترجمة الرمزية لموقف باسيل (حليف حزب الله) تعني ان لبنان اختار إدارة الظهر للإجماع العربي استرضاءً للمحور الايراني في المنطقة، وتالياً شكّل رسالة لحلفاء السعودية، أكان الحريري او جعجع، اللذين تحوّل خلافهما «الرئاسي» خاصرة رخوة أفاد منها حلفاء ايران في لبنان.

• إخراج سماحة من السجن بعدما قضى محكوميته، رغم الطعن بالحكم بحقه، وهو تطوّر انطوى في ملابساته القضائية على رسالة سياسية بالغة الدلالة برسم «14 آذار» التي سيكون من الصعب عليها إعادة سماحة الى سجنه نظراً لاختلال موازين القوى، رغم كل ما يقال عن وصمة العار التي شكلها الافراج عن «المجرم ميشال سماحة الذي ضُبط متلبساً بالصوت والصورة».

• الاعتقاد الذي صار راسخاً بأن ذهاب الحريري الى ترشيح (حليف حزب الله) سليمان فرنجية، وعزم جعجع على ترشيح (مرشح حزب الله) العماد عون، لن يؤدي الى الافراج عن الانتخابات الرئاسية، التي يريدها «حزب الله» بتوقيته وشروطه، وتالياً فإن النتيجة الوحيدة لخيارات من هذا النوع ستكون تعميق الشرخ بين المكوّنات الرئيسية لـ«14 آذار» وربما الإجهاز عليها.

مَن ينظر الى الصورة الجامعة لمكوّنات «14 آذار» امس، امام أضرحة الرئيس رفيق الحريري واللواء وسام الحسن والوزير محمد شطح ورفاقهم في وسط بيروت، او يستمع الى صيْحات منظماتها الشبابية تطالب بطرد سماحة من الاشرفية، او يرصد حال الغضب في التصريحات والشارع وعلى الشاشات... يستنتج سريعاً ان هذا التحالف سيعيد النظر في خياراته، لا سيما الرئاسية، بعدما أصبح يدفع من لحمه الحيّ ثمناً لواقعه الهش، الذي تسبّب بهشاشة في موقعه في إطار الصراع الداخلي وتجلياته الاقليمية.

ورغم هذا الانطباع، فان ما يَرْشح من معطيات يشير الى ان «ما كُتب قد كُتب»... فالحريري، وحسب تقارير متقاطعة، يمضي قدماً في دعمه خيار فرنجية، وهو سيضفي طابعاً رسمياً على مبادرته في الكلام السياسي الذي تعوّد الاطلالة به في ذكرى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير المقبل. وجعجع رفع من وتيرة اتصالاته مع العماد عون ايذاناً بقرب ساعة الاعلان الرسمي عن ترشيحه.

وما زالت الماكينات الاعلامية والسياسية تضخّ الكثير من الكلام عن «الأسباب الموجبة» التي حدت بالحريري الى ترشيح فرنجية، وعن الموجبات التي تدفع جعجع الى ترشيح عون، وسط ايحاءات تراوح بين صعوبة العودة الى الوراء وبين حاجة الجميع الى التريث، وهو الأمر الذي يمكن ان تتضح طبيعته في وقت ليس ببعيد.

غير ان اوساطاً واسعة الاطلاع في بيروت تحدثت الى «الراي» عن ان الحراك الرئاسي، في صعوده وهبوطه ومبادراته المتعدّدة الاتجاه، محكوم بأفق مسدود، لافتة الى ان ما من شيء في الداخل والخارج يشي بأن الظروف مؤاتية لانتخاب رئيس جديد للبنان.

ورأت هذه الأوساط ان مبادرة الحريري بترشيح فرنجية سقطت عندما أبلغ «حزب الله» الأخير ان لا حظوظ له وهو ما زال في عمرٍ يسمح له بالانتظار لفرصة مؤاتية، وتالياً من الصعب انتزاع اي ضوء أخضر من الحزب لمباركة تفاهم الحريري - فرنجية الذي يتعاطى معه حزب الله «كأنه لم يكن».

وأشارت الاوساط عيْنها الى ان لا حظوظ عملية لترشيح جعجع لعون. فـ «حزب الله» الذي يعرف تماماً ما يريده من اي تسوية للإفراج عن الاستحقاق الرئاسي لن يُحرج بمناورة من النوع الذي يتحدث عن انه بمجرد تأييد جعجع لعون سيفتح أبواب القصر أمامه، فالمسألة تتجاوز مَن يجلس على الكرسي الاول.

وأبدت هذه الأوساط ميلاً للقول ان الحراك الرئاسي في لبنان لا يعدو كونه تحركات بلا أفق، فالمنطقة في ذروة تحولاتها الخطرة مع اشتداد الصراع وبلا قفازات بين السعودية وايران، واللاعبون الاقليميون الآن عيونهم على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة لا الانتخابات الرئاسية في لبنان.

في غضون ذلك،لم تتأخّر صفقة الهبة السعودية لتسليح الجيش اللبناني عن طريق فرنسا في الدخول على خط التجاذب الداخلي، انطلاقاً من الاشتباك الديبلوماسي بين الرياض وطهران الذي انفجر من خلف خطوط نار المواجهة غير المباشرة التي يخوضها الطرفان في أكثر من ساحة مشتعلة في المنطقة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي