المبادرات الرئاسية... خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء

التفاهم السياسي يعيد الحكومة اللبنانية إلى العمل

تصغير
تكبير
لم يعد خبراً عادياً، انعقاد جلسة للحكومة اللبنانية، التي تجتمع اليوم بعد طول انقطاع. فحدث من هذا النوع تحول في بيروت «تطوراً بارزاً وبالغ الدلالات»، بحسب قاموس الازمات اللبنانية، كون اجتماع الحكومة وبجدول اعمال خدماتي، بعد مضي نحو عام على تعثّرها بفعل الصراعات السياسية وفيتواتها المتبادلة، اصبح اشبه بـ«بارومتر» سياسي لقياس حجم التشنّجات ومستواها في البلاد.

وهكذا، فإن جلسة الحكومة التي تنعقد اليوم بنصاب سياسي كامل، تعكس ارادة داخلية، متعددة الدوافع، لكبح جماح التصعيد، الذي كان بلغ سقوفاً عالية في الاسابيع الماضية كوهج للحماوة غير المسبوقة في العلاقة الايرانية – السعودية من جهة، ولحجم التوتر المكتوم بين القوى السياسية، على خلفية المبادرات الرئاسية، التي اوحت بخلط اوراق كبير، يلقي بأثقاله على طرفي الصراع «8 و 14 آذار».


فالأهم من جدول اعمال جلسة الحكومة ومصير ملفات خلافية، كالتعيينات في مواقع عسكرية وترحيل النفايات الى الخارج، هو التوافق على إعادة الروح الى حكومة الرئيس تمام سلام، كمؤشر تم التعاطي معه على انه اقتناع شبه إجماعي، بأن الاستحقاق الرئاسي يتجه الى «الرف» نتيجة استحالة حصول تفاهمات، ولو في الحد الادنى، بين الرياض وطهران، كلاعبيْن إقليمييْن معنييْن بالواقع اللبناني.

ورغم هذه القراءة، التي عبّر عنها وزير الداخلية نهاد المشنوق، في دعوته افرقاء الداخل الى التروّي، مع اشتداد العواصف الخارجية، فإن الاهتمامات الداخلية استمرت مسلّطة في اتجاه مبادرتين غير رسميتين حتى الآن، تتنافسان في الملف الرئاسي وعليه، وتتحركان في اتجاهين متعاكسين، وهما:

•مبادرة القطب الابرز في «14 آذار»، زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري ترشيح احد اقطاب «8 آذار» النائب سليمان فرنجية، وهي المبادرة التي انطلقت بزخم كبير قبل نحو شهرين، ثم تراخت تباعاً بفعل عاملين، اولهما رفضها من «حزب الله» لما انطوت عليه من سيناريو يعيد الحريري الى السلطة بصلاحيات لا يريدها الحزب، وثانيهما مواجهتها بـ«فيتو» من الكتلتين المسيحيتين الابرز، وهما «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون، وحزب «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع.

•المبادرة التي لم يفرج عنها بعد، الشريك المسيحي للحريري في «14 آذار»، جعجع، الذي يعتزم فيها الاعلان عن ترشيح (المرشح الرسمي لحزب الله) عون للرئاسة، في خطوة قيل الكثير عن جدّيتها وظروفها ومبرراتها، من دون ان تبصر النور حتى الآن، الامر الذي جعلها مدار الكثير من الاخذ والرد، وسط غبار كثيف حول المدى الذي يمكن ان تبلغه، في ضوء التموضعات الداخلية التي تستظل لعبة المحاور الإقليمية وتتكئ عليها.

وكان لافتاً، التكتم الذي احاط اللقاء، الذي عقد في باريس اول من امس، بين الحريري وفرنجية، (الثاني في اطار تفاهم الرجلين على السير معاً في التسوية الرئاسية)، وهو التكتّم الذي قالت عنه اوساط سياسية في بيروت، ان «اسبابه قد يكون مردها إما لانعدام وجود اي شيء مهم يستحق ان يقال، وإما لوجود شيء على اهمية كبيرة يستلزم عدم البوح به».

واذ بدت هذه الاوساط اكثر ميلاً إلى القول ان «جلسة التشاور بين الحريري وفرنجية قد تكون افضت الى خلاصة اساسية، هي الحاجة الى إطفاء المحرّكات اولاً، لأن المناخ الداخلي والإقليمي غير مؤات ٍ لإحداث اختراق في الملف الرئاسي، وثانياً للحؤول دون استمرار جعجع في المضي قدماً في اتجاه ترشيح عون».

وبدا انه من الصعب فك شيفرة السيناريو الذي يعده جعجع نتيجة سياسة الصمت التي تمارسها «القوات اللبنانية» في مقاربة حيثيات توجهها لترشيح عون، خصوصاً ان المسؤولين فيها يقدمون هذه الخطوة المفترضة في اطار «إعلان نيّات» من دون تحديد توقيتها او اطارها السياسي وقواعدها، خارج إطار المفاضلة بين عون وفرنجية.

وتحوّل هذا الصمت ملعباً لتأويلات كثيرة، لم يتضح معها المسار الفعلي لعملية ترشيح جعجع لعون، وشروط إنضاجه، إذ ثمة من تحدث عن جدية في خيار سيعلن قريباً، في الوقت الذي اشيع عن ان هذه المسألة برمتها مرتبطة باللحظة التي يعلن الحريري، وعلى نحو رسمي، ترشيحه فرنجية، وتالياً فإن الامر ليس على نار حامية حتى الآن.

ورغم الانطباع بأن جعجع تحول «الرقم الصعب» في الملف الرئاسي، بعدما ادى ترشحه في البداية الى الحد من حظوظ عون، ويؤدي ترشيحه حالياً لعون الى فرملة عملية وصول فرنجية، فإنه من الصعب استشراق مصير الاستحقاق الرئاسي قبل اعلان جعجع وعون عن مضمون تفاهمهما السياسي، لأن من شأن ذلك إسدال الستار على مواقف الاخرين.

واذا كان «تيار المستقبل» عبّر عن امتعاض واضح من احتمال ذهاب جعجع الى ترشيح عون، الأكثر عناداً في انخراطه في المحور السوري – الايراني، فإن الأنظار ستصوب في اتجاه «حزب الله»، الذي لا يروق له بالضرورة عبور عون الى القصر الجمهوري من معراب (مقر جعجع)، وسيسأل تالياً عن اي التزامات حدت بحليف السعودية في لبنان الى دعم خصمها.

وبدا في حمأة التكهّنات الكثيرة حيال طبيعة الاتصالات التي تشهدها قنوات الحوار الخلفية بين الاطراف السياسية، انه من السابق لأوانه تحديد الخيط الابيض من الاسود في مسار المأزق السياسي – الدستوري الذي يستوطن لبنان.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي