الجبهة مع إسرائيل هدأت وحوار «المستقبل» - «حزب الله» إلى جولة جديدة

لبنان المأزوم يراوح فوق... الخطوط الحمر

تصغير
تكبير
رغم تَصاعُد القلق الداخلي في لبنان أخيراً، جراء الاحتدام الواسع غير المسبوق في المواجهة السعودية - الايرانية وانعكاساتها المحتملة على مجمل الوضع في لبنان، بدت لافتة ملامح مؤشرات لا تنبئ ببلوغ الوضع سقفاً غير قابل للضبط، خلافاً لما ساد المشهد السياسي والاعلامي في الأيام القليلة الماضية.

ذلك ان أوساطاً سياسية لبنانية واسعة الاطلاع أبرزت أمس، لـ «الراي» معطيات - وإن كانت لا تحمل مؤشرات مُطَمْئنة - إلا أنها في المقابل، لا تنذر بالمخاوف الكبرى التي تردّدت على نطاق واسع، كأنها تضع لبنان على مشارف مرحلة انقلابية.


وتقول هذه الاوساط انه «يمكن الاحتكام الى العملية الميدانية المحدودة التي نفّذها حزب الله في منطقة مزارع شبعا المحتلة (أول من أمس) كنموذج معبّر للغاية عن السقوف التي لا تزال تضبط الإيقاع اللبناني ضمن خطوط حمر إقليمية ودولية وداخلية، وتحول تالياً دون انزلاقه الى متاهات خارجة عن الضبط. ذلك ان هذه العملية - وإن ما زالت تحوطها معالم غامضة حول الحصيلة الحقيقية التي أدّت إليها - إلا أنها تعكس السياق المدروس الذي التزمه حزب الله في تنفيذها، رداً على مقتل سمير القنطار قبل أسبوعين على يد إسرائيل في جرمانا في ريف دمشق».

وأثبت «حزب الله»، بحسب هذه الأوساط، انه «قام بعملية الردّ ضمن قواعد الاشتباك في أرض لبنانية محتلة، ولكن الإطار المحدود الذي استهدف آليتين للجيش الإسرائيلي، الذي أنكر وقوع إصابات في صفوفه، حالَ دون تدهور عسكري واسع، ولو أن الحزب وإسرائيل يتصرفان على أساس ان المواجهة لم تُقفل بعد».

وفي رأي تلك الأوساط، وبناء على المعطيات التي تملكها، فإن «الاتصالات العاجلة التي أجرتها قيادة القوة الدولية في الجنوب وممثلة الامين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ عكست عدم الذهاب الى متاهة تصعيدية واسعة من الجانبيْن، وإن الأمور مرشحة للضبط وإعادة تطبيع الواقع الميداني على الخط الأزرق بما يحول دون توسيع أي تدهور، أقلّه في المرحلة الحالية».

وفي ظل هذا التطور، تضيف الأوساط نفسها، فإن «الواقع السياسي الداخلي لا يبدو مرشحاً فعلاً للتطور سلباً أكثر مما هو قائم اساساً، ولو ان التوتّر السعودي - الإيراني بدأ يترك آثاراً إعلامية مضخّمة على مجمل المشهد السياسي، خصوصاً في ما يتّصل بالسجالات بين حزب الله وتيار المستقبل».

وتؤكد الاوساط الواسعة الاطلاع لـ «الراي» ان «الانسداد الذي يجري الحديث عنه في ملف رئاسة الجمهورية كان قد حصل قبل اندلاع موجة التصعيد السعودية - الايرانية الأخيرة، لا لشيء إلا لأن حزب الله وعبره ايران، قررا منذ أسابيع عدم تسهيل مبادرة زعيم المستقبل الرئيس سعد الحريري لانتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، ولكن التصعيد الحاصل سلّط الأضواء بقوّة أكبر على الانسداد كنتيجة حتمية للتوتر التصاعدي، الأمر الذي لاقاه نواب من حزب الله في هجمات حادة على الحريري، مثل ما فعل رئيس كتلته البرلمانية النائب محمد رعد، الذي يترك له الحزب غالباً الدور الهجومي الأساس، قبل ان يجري احتواء المفاعيل الحادة، فذهب في تهجّمه على الحريري، من دون ان يسميه، الى حدود الحديث عن عدم وجود ملاذ له في بيروت، كما لمّح بوضوح الى رفض التسوية الرئاسية التي اقترحها، اذ قال إنهم يريدون في لبنان أن يصادروا الدولة بمؤسساتها الدستورية وغير الدستورية، لمصلحة وكيل أو لمصلحة سياسة أميركية أو غربية، وإزاء ذلك نقول: كفانا عهراً وإفساداً وفساداً وسرقة، فمَن يعش الإفلاس في ملاذه الذي يؤوي إليه الآن يجب ألا يجد مكاناً له في لبنان من أجل نهب البلاد مرة جديدة، وبالتالي فإن كل ما يجري من محاولات لإجراء صفقات وتسويات تحت عنوان إعادة الاستقرار لهذا البلد، إنما هدفها رسم مسار إخضاع هذا البلد لسياسات هذه المملكة أو تلك الدولة الكبرى، وعليه المسألة ليست مسألة شخص نسلمه موقعاً في رئاسة الجمهورية ثم لا يجد صلاحيات يستطيع أن يحكم بها البلاد، لأن كل الصلاحيات مصادَرة من الشخص الموكل بحفظ سياسات هذه المملكة أو تلك الدولة».

ورغم كلام رعد، إلا ان هذه الاوساط لفتت الى ان «السجالات بين حزب الله والمستقبل مهما بلغت حدّتها، لن توقف الحوار الثنائي بينهما، الذي سيستأنف الإثنين المقبل في مقرّ رئاسة مجلس النواب، بعد موافقة الفريقين على المضي في هذا الحوار». كما ان الأوساط لا تستبعد ملامح مرونة قد تظهر الاسبوع المقبل ايضاً في مسعى تفعيل العمل الحكومي، بعدما بات من المسلّم به انه لا أفق لأي انفراج في الملف الرئاسي، الأمر الذي يوجب العودة الى مساعي تفعيل الحكومة أقلّه على قاعدة تحريك الملفات الأكثر إلحاحاً للمواطنين.

ولا تستبعد الأوساط ان تتناول جولة الحوار الجديدة بين «حزب الله» و«المستقبل» هذا الملف، خصوصاً ان الفريقين لمحا تكراراً في السابق الى ضرورة تفعيل عمل المؤسسات.

وتعتقد الأوساط نفسها ان «السقف الذي يضبط هذا الحوار، والذي يملي استمراره، بات يعكس مصالح حيوية للفريقين في تجنُّب التوتر المذهبي الحاد، ومنع امتداده الى الشارع الاسلامي في لبنان. كما ان المصالح نفسها تحول دون انهيار الواقع الحكومي الذي يبقى يشكّل مصلحة مشتركة لهما وللآخرين، ما دام التوافق متعذراً على الملف الرئاسي. وهي مصالح للفريقيْن اللبنانييْن وكذلك لراعيتيْهما الاقليميتيْن، اي السعودية وإيران، اللتين لم تُظهِرا بعد - رغم كل التشنّج الذي يسود علاقاتهما - أن أياً منهما ترغب في تفجير البؤرة اللبنانية وتَجاوُز الخطوط الحمر التي تحكمها حتى الآن».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي