سعد روى لـ «الراي» وسط أهله في جنوب لبنان تفاصيل الحادثة: الأميركي ظالم وغير إنساني ... ولا أنسى أحداث 11 سبتمبر

خاطف الطائرة الفلسطيني إلى الحرية بعد 19 عاماً في سجون «العم سام»

تصغير
تكبير
عاد الفلسطيني سعد محمد ابرهيم (47 عاما) الى الحرية بعد نحو 19 عاماً من الاعتقال في السجون الاميركية عقب إدانته بخطف طائرة DC-10 التابعة لخطوط الجوية الإسبانية «ايبيريا» في العام 1996، لدوافع لا تتعلق بأي عمل «انتقامي» او «ارهابي»، وإنما لأنه أراد اللجوء والتخلص من معاناة العيش في مخيم عين الحلوة الفلسطيني في صيدا (جنوب لبنان)، بلا حقوق مدنية او اجتماعية او انسانية في لبنان.

ووصل سعد الى منزله في حي «الحاج حافظ» في صيدا، أكثر أحياء المدينة اكتظاظاً بالسكان، بعدما أطلق الامن العام اللبناني سراحه عقب توقيفه لعدة أيام فور وصوله مطار بيروت الدولي وهو عائد من الولايات المتحدة برفقة عناصر من الـ «اف بي اي».


وعاد الى عاصمة الجنوب وهو يرتدي ثوباً رياضياً وقد أرخى لحيته وبدا عليه التعب الذي لم يمنعه من المشاركة في حفل الاستقبال الشعبي الذي أقيم له ورفعت فيه لافتة مرحبة به تقول «سعد ابو هاشم، الحمد الله على السلامة.. طال الانتظار».

ومنذ وصوله برفقة أشقائه على وقع «الطبل والزمر» والمفرقعات النارية ونثْر الورود والأرز ونحْر الخراف وتوزيع الحلوى، شخصت الانظار الى عتبة منزله حيث ذرف الدموع وعانق والدته الحاجة انتصار وشقيقاته بتأثر كبير، لتبدأ رحلة التعرف على العائلة التي باتت مؤلفة من أحفاد.

في صالون المنزل، جلس سعد، يصافح هذا ويقبّل ذاك، ويتلقى اتصالات تهنئة من الاهل والاقارب، وهو قال في اول تعليق: «المرحلة الماضية انتهت اليوم، وستبدأ الحياة من جديد»، واصفاً حكم القضاء الاميركي بانه «كان قاسياً وظالماً بل عسيراً»، وموضحاً ان المحامي الاميركي الذي تم توكيله للدفاع عنه «أبلغني ان العقوبة لن تتجاوز ثلاث سنوات باعتبار ان ما قمت به هو تحويل سير طائرة وليس عملية خطف، لكن الحكم كان 19 عاماَ»، قبل ان يردف «ان الظلم الآخر كان الترحيل دون النظر برأفة او شفقة الى وضعي الانساني والقبول بي لاجئاً هناك».

وسط زغاريد الفرح وحرارة العناق واللقاء، روى سعد لـ «الراي» ان «حياتي في السجن كانت صعبة والايام والسنوات طويلة، لكنها مرت اليوم، وسأبدأ حياتي من جديد وسط أهلي وأحبتي، والحسنة الوحيدة انني تعلمت اللغة الانكليزية جيداً، وبعض الحِرف اليدوية، اضافة الى الطبخ»، مشيراً الى ان «الطعام داخل السجن يصحّ فيه الوصف»كي لا نموت فقط«، وموضحاً»ان سنوات السجن التي قضيتها تنقلتُ فيها بين ولاية واخرى، من «نيويورك» حيث أمضيتُ 3 سنوات ونصف، الى «بانسلفينيا» 6 سنوات، و«اندياينا» 5 سنوات ونصف العام ثم الى «فلوريدا» لباقي الحكم، الى ان أُفرج عني.

واضاف ان»الحادثة التي تؤلمني الى اليوم، انه بعد وقوع احداث سبتمبر 2001 حين جرى تفجير البرجين في نيويورك، تم نقلي الى سجن انفرداي في «انديانا» من دون اي سبب سوى لانني عربي وفلسطيني، وهذه الحادثة كرست قناعتي ان الاميركي ظالم لا يعرف الرأفة وغير انساني، وتتحكّم بعض العنصرية في مجتمعه ولكن كـ مهاجرين لا دخل لنا بذلك».

وتابع:في مقابل هذه الذكرى الاليمة تعلمتُ الصبر، وابتعدتُ عن المشاكل كليا، وكان همّي الاساسي ان أبقى حياً، فقد يدخل محكوم الى السجن بمدة قصيرة وتقع المشاكل ويُحكم بسنوات طويلة او مؤبد ويمكن ان يدفع حياته ثمناً. في السجن انت محكوم ولا حق لك بالاعتراض ولا سيما اذا كنتَ «مهاجراً.

سعد، ذرف الدمع، حين أُبلغ مجدداً ان والده الحاج «ابو هاشم» توفي قبل أعوام ولم يره وان شقيقته غرقت في رحلة لجوء مريرة بين ليبيا وايطاليا مع نجليها قبل اشهر قليلة، فيما نجا اثنان آخران هما الان في النرويج، وقال: «من المبكر القول ان لدي خططاً للمستقبل الآن، ولكنني سأعمل على ارضاء الوالدة وسأكون خادماً تحت قدميها»، مضيفاً: «قد اقوم بافتتاح مهنة صغيرة كي أعيش منها، ولكن بالدرجة الاولى نصيحتي الى الشباب عدم الهجرة، ولا سيما الذين لديهم مهنة ومهما كان العمل، فليصبروا ويطوّروه، لان الأسف الصغير أفضل من الندم الكبير».

وأوضح ان «الامن العام اللبناني أجرى تحقيقاً روتينياً بناء على مذكرة توقيف صادرة بحقي في العام 1996»، وقال: «حين اوقفتُ في مطار بيروت الدولي، أبلغني العناصر اننا لان نعرف التهمة الموجهة اليك، ولكن هناك مذكرة توقيف بحقك، فتم نقلي الى المديرية العامة للامن العام وهناك سردتُ القصة كاملة بأنني لم أكن مقيماً في الولايات المتحدة وانما امضي عقوبة السجن نتيجة تحويل سير طائرة رغبة بالحصول على اللجوء الانساني، الى ان اطلق سراحي»، فيما اكدت عائلته ان سعد ليس ارهابياً ولا خاطف طائرات، بل باحث عن حياة أفضل لم يجدها في لبنان.

وكان سعد استقلّ صيف 1996 طائرة من بيروت إلى زوريخ في سويسرا، ومنها انتقل بطائرة «ايبيريا» الى مدريد، ثم الى هافانا في كوبا، قبل ان يقدم على خطف الطائرة التي كانت تقل 231 راكبا من بينهم 85 إسبانياً، اضافة الى طاقمها المؤلف من 14 شخصاً، مدّعياً حينها ان لديه قنبلة يدوية وسيفجرها اذا لم يتحدث الى قائد الطائرة، ليتبيّن اثناء محاكمته ان «القنبلة» عبارة عن جهاز تسجيل صغير ملفوف مع «ماكينة حلاقة» كهربائية في ورق الالمنيوم اللامع. الا ان هذه «الخدعة» كانت كفيلة بجعل الكابتن يستجيب لطلب سعد بالتوجه بالطائرة الى «ميامي» في ولاية فلوريدا الأميركية، وحين هبطت، سلّم نفسه في مطارها بعد 10 دقائق، فتمت محاكمته ودين بعقوبة «القرصنة الجوية» ومدتها 20 عاما سجناً، وبعد انقضائها أُفرج عنه وأعيد عبر مطار «جاكسونفيل» الى بيروت وأصبح عمره 47 عاماً.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي