مبادرة الحريري في «استراحة محارب»

لبنان يرحّل «الكلام الجدّي» حول الرئاسة إلى السنة المقبلة

تصغير
تكبير
تضجّ الأندية السياسية اللبنانية وكواليسها بـ«التوقعات الرئاسية»، التي تشبه في بعض جوانبها الموضة الرائجة على الشاشات في قراءة الفلك والكف والفنجان والأبراج وما شابه من وقائع متخيَّلة كأحداث ستحدث، الأمر الذي يجعل من التوقعات السياسية سيناريوات افتراضية اكثر مما هي على صلة بمسار تحكمه «قواعد اللعبة» في بلاد تحوّلت ملعباً خلفياً لصراع، كأنه يختصر العالم بأسره، يدور رحاه في الشرق الاوسط المشتعل.

هل يُنتخب النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية؟... ربما نعم وربما لا، والأرجح ان من الصعب التكهن بما ستؤول اليه مبادرة الرئيس سعد الحريري، التي بدت صادمة في لحظة الكشف عنها. فالقطب الأبرز في «14 آذار»، اي الحريري يدعم ترشح أحد أقطاب 8 آذار للرئاسة، اي فرنجية. لكن صدى هذه المبادرة بدأ بالانحسار ومعه زخمها الآخذ بالتراجع يوماً بعد يوم الى الحدّ الذي جعلها في مهبّ شكوكٍ متعاظمة.


أوساط واسعة الاطلاع في بيروت تحدثت الى «الراي» عن ان الحريري الذي تجرّع القرار الصعب بالمبادرة الى مفاتحة فرنجية، وهو الشخصية اللصيقة بـ«حزب الله» والرئيس السوري بشار الاسد، بإمكان دعم ترشحه للرئاسة ودخوله في تفاوض عميق في هذا الشأن، لن يتراجع عن الخيار الذي يعتقد انه أقصر طريق لوقف انهيار الدولة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعدما تعذّر هذا الأمر على مدى 19 شهراً.

ورأت هذه الاوساط ان خيار فرنجية لم يعد يكتسب جدّيته من تصميم الحريري فحسب، بل هو صدى لتفاهم سعودي - فرنسي ويحظى بغطاء اميركي.

وذكرت الاوساط عينها بالمكالمة «غير المألوفة» التي كان أجراها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بفرنجية غداة انتقال الحريري من الرياض الى قصر الاليزية في زيارة خُصصت لمناقشة الاستحقاق الرئاسي في لبنان، وهو التطور الذي أوحى بوجود تفاهم جدي سعودي - فرنسي حول دعم فرنجية.

ولفتت الأوساط الواسعة الاطلاع الى الحركة الهادئة التي يقودها الحريري من اجل توسيع مروحة المؤيدين لفرنجية، لا سيما في أوساط مسيحيي «14 آذار» من النواب المستقلين.

ومن غير المستبعد في رأي هذه الاوساط قيام الحريري في مطلع السنة الجديدة بخطوات اضافية من شأنها تعزيز فرص انتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية في ضوء دعم الكنيسة المارونية لـ «المبادرة الجدية» حيال انهاء الشغور الرئاسي والالحاح الدولي على الحاجة الى وقف انهيار الدولة التي تستضيف نحو مليون ونصف مليون نازح سوري.

واذ لم تقلل تلك الاوساط من وطأة الحرَج الذي يعانيه الحريري نتيجة استمرار حليفه المسيحي الابرز المتمثل بحزب «القوت اللبنانية» بالاعتراض على خيار فرنجية، فانها تعتقد ان العقدة الأهم التي تعترض فتح الطريق امام فرنجية للوصول الى قصر بعبدا تتمثل في موقف حلفاء الأخير في 8 آذار والذي يراوح بين رفضٍ بـ «مكبرات الصوت» يعبّر عنه زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون وصمت أصدق إنباء من الرفض يلتزم به «حزب الله».

وثمة من يعتقد في بيروت ان المساعي لحضّ العماد عون على تعديل موقفه من ترشح فرنجية لا تتجاوز حظوظها الصفر بعدما سمع فرنجية من عون في لقائهما «المتوتّر» عقب انكشاف أمر اجتماع باريس بين الحريري وفرنجية، اصراراً لا تَهاوُن فيه على المضي في معركة ترشحه للرئاسة، اضافة الى الحملات التي شُنت على فرنجية واتهمته بـ «الغدر والخيانة»، الأمر الذي «كسر الجرة» بين المرشحيْن الحليفيْن.

ورغم ان تصلّب العماد عون لم يكن مفاجئاً، فان الأكثر إثارة للانتباه كان الصمت المدوي بالإشارات السلبية، الذي التزمه «حزب الله» حيال تقدم فرص فرنجية «مرشحه الفعلي» للرئاسة، مما رسم علامات استفهام كبيرة حيال مقاربة الحزب المستجدة لترشح فرنجية وللاستحقاق الرئاسي برمّته.

وفي تقدير اوساط مهتمة في بيروت ان «حزب الله» الذي سبق ان أخذ علماً بحركة الاتصالات بين فرنجية والحريري لم ترُق له تفاهمات جرت من خلف ظهره ولم يكن له الكلمة الفصل في شأنها، خصوصاً تلك التي تتصل بشروط عودة الحريري الى السلطة و«أثمانها» وحدود دوره في المرحلة المقبلة.

ولم تُخْفِ هذه الاوساط «النقزة» التي ساورت «حزب الله» من جراء اكتشافه وجود تفاهم سعودي - فرنسي جدي لايصال فرنجية في عملية تشبه الصفقة أكثر مما هي تسوية يريدها الحزب وفق دفتر شروطه وتوقيته.

وتعتقد هذه الاوساط ان زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الاكثر قدرة على «التقاط الاشارات»، أبدى أخيراً تشاؤماً لافتاً حيال مصير مبادرة الحريري (كان واحداً من عرابيها) بعدما شعر بان «حزب الله» ومن خلفه ايران غير جاهز للافراج عن الاستحقاق الرئاسي حتى ولو كان الرئيس الافتراضي شخصية حليفة له وموثوقة منه.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي