رسالتي

هل أصبح عملة نادرة؟

تصغير
تكبير
لما رأيت بني الزمان وما بهم

خِلٌّ وفيٌّ للشدائد أصطفي


أيقنت أن المستحيل ثلاثة

الغول والعنقاء والخِلُّ الوفي

لا أدري إن كنتم تتّفقون أو تختلفون مع قائل هذه الأبيات، ونظرته لانعدام الوفاء بين الناس، لكننا قبل أن نحكم، لا بد وأن ننظر إلى الواقع.

ما رأيكم بدرجة الوفاء عند كثير من الأبناء تجاه الوالدين؟ وهل بالفعل هناك من يحترم والديه ويذكر فضلهما ويسعى لرد جميلهما، ويتحدث عند الآخرين عن مقدار التضحية التي قدمها كل من أبويه لأجله، ويردد «وقل رب ارحمهما كما ربّياني صغيرا»؟

يا تُرى هل نجد الوفاء عند بعض الرجال تجاه زوجته التي ضحت في كل شيء من أجله وأجل أولاده وبذلت زهرة شبابها كي ترى السعادة في وجهه وأبنائهما؟

هل ما زال من الأصدقاء من يحفظ ود صديقه ويتمسك به مهما تغيرت أحواله المادية، ويقف معه في الشدة والرخاء؟، أم أن الحال أصبح كما يقول القائل:

ولا خير في ودّ امرئ متلوّنٍ

إذا الريح مالت مال حيث تميل

جوادٌ إذا استغنيت عن ماله

وعند احتمال الفقر عنك بخيل

فما أكثر الإخوان حين تعدّهم

ولكنهم في النائبات قليل

هل ما زال بعض طلبة العلم ممن تربّوا على يد المشايخ والعلماء حتى أصبح يُشار لهم بالبنان يُرجِعون الفضل لمن كان له الدور في وصولهم إلى هذه المكانة؟

أم أنهم اليوم يتبرؤون منهم، ويطعنون فيهم، ويتكلمون في أعراضهم، وينتقصون من مكانتهم، ويُحذّرون الناس منهم؟!

ويكون لسان حال ذلك العالم والشيخ تجاه تلميذه هو قول الشاعر:

أعلّمه الرماية كلّ يوم

فلما اشتدَّ ساعده رماني

وكم علمته نظم القوافي

فلما قال قافية هجاني

أعلّمه الفُتُوّة كل وقت

فلما طرّ شاربه جفاني

وهل ما زال بعض من تربوا يوماً ما في أكناف بعض جماعات الدعوة الإسلامية، حتى ثبتوا على الدين، وقوي عودهم، وصُقِلت شخصياتهم، وحاز بعضهم على الدرجات العلمية العليا، يذكر لهذه الجماعات فضلها، أم أنه لما تعارضت مصالحه المادية والسياسية، تخلى عنها وطعن فيها وشكك في منهجها، ووقف في صف أعدائها؟

هل إذا أسدى أحدهم لك معروفاً، تحفظ له هذا الفضل، أما أنك تتجاهله وتتنكر له بمجرد زوال المحنة التي كنت فيها؟

من روائع صور الوفاء التي قرأت، أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، بعد غزوة بدر، ووقوع بعض أسرى الكفار في أيدي المسلمين قال: «لو كان مطعم بن عدي حيّا ثم استشفعني في هؤلاء لتركتهم له» ومطعم بن عدي كان هو المشرك الوحيد الذي قبل أن يدخل النبي عليه الصلاة والسلام في جواره بمكة بعد عودته من الطائف، بعد ما لحقه من أهلها الأذى المعروف.

إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل.

وبعد هذه الجولة السريعة، هل تتفقون مع ما قاله الشاعر في بداية المقال حول ندرة الوفاء أم أن لكم وجهة نظر أخرى؟

Twitter: @abdulaziz2002
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي